صفحة جزء
باب ما جاء في الدفن بالليل

1057 حدثنا أبو كريب ومحمد بن عمرو السواق قالا حدثنا يحيى بن اليمان عن المنهال بن خليفة عن الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبرا ليلا فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة وقال رحمك الله إن كنت لأواها تلاء للقرآن وكبر عليه أربعا قال وفي الباب عن جابر ويزيد بن ثابت وهو أخو زيد بن ثابت أكبر منه قال أبو عيسى حديث ابن عباس حديث حسن وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا وقالوا يدخل الميت القبر من قبل القبلة وقال بعضهم يسل سلا ورخص أكثر أهل العلم في الدفن بالليل
قوله : ( ومحمد بن عمرو السواق ) بتشديد الواو ( عن المنهال بن خليفة ) الكوفي أبو قدامة ضعيف من السابعة ( عن الحجاج بن أرطاة ) بفتح الهمزة النخعي أبو أرطاة الكوفي القاضي صدوق كثير الخطأ ، والتدليس . قوله : ( فأسرج ) ماض مجهول ( له ) أي : للميت ، أو للنبي صلى الله عليه وسلم ( فأخذه ) أي : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الميت ( من قبل القبلة ) في الأزهار احتج أبو حنيفة بهذا الحديث على أن الميت يوضع في عرض القبر في جانب القبلة بحيث يكون مؤخر الجنازة إلى مؤخر القبر ، ورأسه إلى رأسه ، ثم يدخل الميت القبر ، وقال الشافعي والأكثرون : يسل من قبل الرأس بأن يوضع رأس الجنازة على مؤخر القبر ، ثم يدخل الميت القبر . انتهى ( إن كنت ) إن مخففة من المثقلة أي : إنك كنت ( لأواها ) بتشديد الواو أي : كثير التأوه من خشية الله ، قال في النهاية : الأواه المتأوه المتضرع ، وقيل هو الكثير البكاء ، أو الكثير الدعاء ( تلاء ) بتشديد اللام أي : كثير التلاوة ، وقوله ( وفي الباب عن جابر ) أخرجه أبو داود بلفظ قال رأى ناس نارا في المقبرة فأتوها فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر ، وإذا هو يقول ناولوني صاحبكم فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ( ويزيد بن ثابت ) لينظر من أخرجه .

قوله : ( حديث ابن عباس حديث حسن ) قال الحافظ الزيلعي في نصب الراية وأنكر عليه [ ص: 140 ] ؛ لأن مداره على الحجاج بن أرطاة ، وهو مدلس ، ولم يذكر سماعا ، قال ابن القطان ومنهال بن خليفة ضعفه ابن معين ، وقال البخاري رحمه الله : فيه نظر . انتهى كلام الزيلعي .

قوله : ( وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا ) ، وهو قول أبي حنيفة ، واستدل له بحديث الباب ، وقد عرفت أنه ضعيف ، وبما أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عمير بن سعد أن عليا رضي الله عنه كبر على يزيد بن المكفف أربعا ، وأدخل من قبل القبلة ، وبما أخرج هو أيضا عن ابن الحنفية أنه ولي ابن عباس فكبر عليه أربعا ، وأدخله من قبل القبلة ( وقال بعضهم يسل سلا ) أي : يدخل الميت في القبر من قبل الرأس بأن يوضع رأس الجنازة على مؤخر القبر ، ثم يدخل الميت القبر ، وهو قول الشافعي ، وأحمد والأكثرين ، وهو الأقوى والأرجح دليلا ، واستدلوا بما أخرج أبو داود عن أبي إسحاق قال : أوصى الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد ، فصلى عليه ، ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر ، وقال هذا من السنة ، وهذا الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ، ورجاله رجال الصحيح ، قاله الشوكاني ، وقال الزيلعي في نصب الراية بعد ذكر هذا الحديث : ، وأخرجه البيهقي ، وقال : إسناده صحيح ، وهو كالمسند لقوله من السنة . انتهى ، وبما أخرج ابن شاهين في كتاب الجنائز عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدخل الميت من قبل رجليه ويسل سلا قال الحافظ ابن حجر في الدراية : إسناده ضعيف ، ورواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح ، لكنه موقوف على أنس . انتهى . قلت قال الزيلعي في نصب الراية بعدما ذكر حديث أنس المرفوع : وروى ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا عبد الأعلى عن خالد عن ابن سيرين قال كنت مع أنس رضي الله عنه في جنازة ، فأمر بالميت فأدخل من قبل رجليه . انتهى . حدثنا وكيع عن إسرائيل عن جابر عن عامر أنه أدخل ميتا من قبل رجليه . انتهى وبما أخرج ابن ماجه عن أبي رافع قال : سل رسول الله صلى الله عليه وسلم سعدا ورش على قبره ماء . انتهى ، وفي سنده منذر بن علي ، وهو ضعيف . فإن قلت ما أخرج أبو داود عن أبي إسحاق كيف يكون إسناده صحيحا ؟ وأبو إسحاق هذا هو السبيعي ، وكان قد اختلط في آخر عمره ومع هذا قد كان مدلسا .

قلت : نعم لكن رواه عنه شعبة ، وهو لا يحمل عن شيوخه إلا صحيح حديثهم ، كما صرح به الحافظ ابن حجر في فتح الباري ص 150 ج 1 ، وقد تقرر أن رواية أبي إسحاق من طريق شعبة محمولة على السماع ، وإن كانت معنعنة ، قال الحافظ ابن حجر في طبقات المدلسين : قال البيهقي وروينا عن شعبة أنه قال : كفيتكم تدليس ثلاثة ، الأعمش وأبي إسحاق وقتادة ، قال الحافظ : فهذه قاعدة جيدة في أحاديث هؤلاء الثلاثة ، أنها إذا جاءت من طريق شعبة دلت على السماع ، ولو [ ص: 141 ] كانت معنعنة . انتهى . ( ورخص أكثر أهل العلم في الدفن بالليل ) لأحاديث الباب ، وكرهه الحسن البصري ، واستدل بحديث جابر رضي الله عنه ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر أن يقبر الرجل ليلا حتى يصلى عليه . رواه مسلم وأجيب عنه بأن الزجر منه صلى الله عليه وسلم إنما كان لترك الصلاة لا للدفن بالليل ، أو لأجل أنهم كانوا يدفنون بالليل لرداءة الكفن ، فالزجر إنما هو لما كان الدفن بالليل مظنة إساءة الكفن ، فإذا لم يقع تقصير في الصلاة على الميت ، وتكفينه فلا بأس بالدفن ليلا ، وقد دفن النبي صلى الله عليه وسلم ليلا ، كما رواه أحمد عن عائشة ، وكذا دفن أبو بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما ليلا وعلي رضي الله عنه دفن فاطمة ليلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية