صفحة جزء
باب ما جاء في الانتفاع بآنية المشركين

1560 حدثنا زيد بن أخزم الطائي حدثنا أبو قتيبة سلم بن قتيبة حدثنا شعبة عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي ثعلبة الخشني قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قدور المجوس فقال أنقوها غسلا واطبخوا فيها ونهى عن كل سبع وذي ناب وقد روي هذا الحديث من غير هذا الوجه عن أبي ثعلبة ورواه أبو إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة وأبو قلابة لم يسمع من أبي ثعلبة إنما رواه عن أبي أسماء الرحبي عن أبي ثعلبة
[ ص: 145 ] قوله : ( عن أبي ثعلبة ) بفتح المعجمة بعدها عين مهملة ساكنة فلام مفتوحة فموحدة ( الخشني ) بضم الخاء المعجمة فشين معجمة مفتوحة فنون نسبة إلى خشين بن نمر في قضاعة اسمه جرهم بايع النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وضرب له بسهم يوم خيبر وأرسله إلى قومه فأسلموا ، نزل بالشام ومات بها سنة خمس وسبعين .

قوله : ( عن قدور المجوس ) أي عن الطبخ فيها ، والقدور جمع القدر بكسر القاف وسكون الدال ( انقوها ) من الإنقاء ( غسلا ) تمييز ( واطبخوا فيها ) أي بعد الإنقاء بالغسل . قال الحافظ في الفتح بعد ذكر رواية الترمذي هذه ، وفي لفظ من وجه آخر عن أبي ثعلبة قلت إنا نمر بهذا اليهود والنصارى والمجوس فلا نجد غير آنيتهم الحديث انتهى . وروى الشيخان عن أبي ثعلبة الخشني قال : قلت يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم ؟ قال : " لا تأكلوا فيها إلا أن تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها " ، قال في سبل السلام : استدل به على نجاسة آنية أهل الكتاب وهل هو لنجاسة رطوبتهم أو لجواز أكلهم الخنزير وشربهم الخمر أو للكراهة ، ذهب إلى الأول القائلون بنجاسة رطوبة الكفار ، واستدلوا أيضا بظاهر قوله تعالى : إنما المشركون نجس ، والكتابي يسمى مشركا إذ قد قالوا ( المسيح ابن الله ) ( وعزير ابن الله ) . وذهب الشافعي وغيره إلى طهارة رطوبتهم وهو الحق لقوله تعالى : وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ولأنه صلى الله عليه وسلم توضأ من مزادة مشركة ، ولحديث جابر عند أحمد وأبي داود : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم ولا يعيب ذلك علينا .

وأجيب بأن هذا كان بعد الاستيلاء ولا كلام فيه ، قلنا في غيره من الأدلة غنية عنه فمنها ما [ ص: 146 ] أخرجه أحمد من حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم دعاه يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة فأكل منها . قال في البحر : لو حرمت رطوبتهم لاستفاض بين الصحابة نقل توقيهم لقلة المسلمين حينئذ مع كثرة استعمالاتهم التي لا يخلو منها ملبوسا ومطعوما ، والعادة في مثل ذلك تقضي بالاستفاضة . قال : وحديث أبي ثعلبة إما محمول على كراهة الأكل في آنيتهم للاستقذار لا لكونها نجسة إذ لو كانت نجسة لم يجعله مشروطا بعدم وجدان غيرها ، إذ الإناء المتنجس بعد إزالة نجاسته هو وما لم يتنجس على سواء ولسد ذريعة المحرم ، أو لأنها نجسة لما يطبخ فيها لا لرطوبتهم كما تفيده رواية أبي داود وأحمد بلفظ : إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن وجدتم غيرها " الحديث ، وحديثه الأول مطلق وهذا مقيد بآنية يطبخ فيها ما ذكر ويشرب فيحمل المطلق على المقيد ، وأما الآية فالنجس لغة المستقذر فهو أعم من المعنى الشرعي ، وقيل معناه ذو نجس لأن معهم الشرك الذي هو بمنزلة النجس ; ولأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يتجنبون النجاسات فهي ملابسة لهم ، وبهذا يتم الجمع بين هذا وبين آية المائدة والأحاديث الموافقة لحكمها ، وآية المائدة أصرح في المراد انتهى ما في السبل .

وقال صاحب المنتقى : ذهب بعض أهل العلم إلى المنع من استعمال آنية الكفار حتى تغسل إذا كانوا ممن لا تباح ذبيحته ، وكذلك من كان من النصارى بموضع متظاهرا فيه بأكل لحم الخنزير متمكنا فيه أو يذبح بالسن والظفر ونحو ذلك ، وأنه لا بأس بآنية من سواهم جمعا بذلك بين الأحاديث . واستحب بعضهم غسل الكل لحديث الحسن بن علي قال : حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم : دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ، رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه انتهى ، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في الباب الأول من أبواب الصيد ( ونهى عن كل سبع ذي ناب ) تقدم شرحه في كتاب الصيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية