صفحة جزء
باب ما جاء في الرهان والسبق

1699 حدثنا محمد بن وزير الواسطي حدثنا إسحق بن يوسف الأزرق عن سفيان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجرى المضمر من الخيل من الحفياء إلى ثنية الوداع وبينهما ستة أميال وما لم يضمر من الخيل من ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق وبينهما ميل وكنت فيمن أجرى فوثب بي فرسي جدارا قال أبو عيسى وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وعائشة وأنس وهذا حديث صحيح حسن غريب من حديث الثوري
( باب ما جاء في الرهان )

قال في القاموس : الرهان والمراهنة : المخاطرة والمسابقة على الخيل .

قوله : ( حدثنا محمد بن الوزير ) بن قيس العبدي الواسطي ثقة عابد من العاشرة .

قوله : ( أجرى المضمر ) الإضمار والتضمير أن تعلف الخيل حتى تسمن وتقوى ثم يقلل علفها بعد ، بقدر القوت وتدخل بيتا وتغشى بالجلال حتى تحمى فتعرق فإذا جف عرقها خف لحمها وقويت على الجري ( من الحفياء ) بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية ومد ، مكان خارج المدينة ويجوز القصر ، وفي رواية للبخاري سابق وهو المراد من قوله أجرى ( إلى ثنية الوداع ) مكان آخر خارج المدينة وأضيف الثنية إلى الوداع ؛ لأنها موضع التوديع ( إلى مسجد بني زريق ) بضم الزاي وفتح الراء اسم رجل ( وبينهما ) أي بين الثنية والمسجد ( ميل ) إنما جعل غاية المضمرة أبعد لكونها أقوى ( فوثب بي فرسي جدارا ) وفي رواية لمسلم : قال عبد الله فجئت سابقا فطفف بي [ ص: 286 ] الفرس المسجد ، قال النووي : أي علا ووثب إلى المسجد وكان جداره قصيرا ، وهذا بعد مجاوزته الغاية ; لأن الغاية هي هذا المسجد وهو مسجد بني زريق انتهى . وفي الحديث مشروعية المسابقة وأنه ليس من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والانتفاع بها عند الحاجة ، وهي دائرة بين الاستحباب والإباحة بحسب الباعث على ذلك . قال القرطبي : لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب على الأقدام ، وكذا الترامي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدريب على الحرب . وفيه جواز إضمار الخيل ولا يخفى اختصاص استحبابها بالخيل المعدة للغزو . وفيه مشروعية الإعلام بالابتداء والانتهاء عند المسابقة .

تنبيه :

لم يتعرض في هذا الحديث للمراهنة على ذلك ، لكن ترجم الترمذي له باب المراهنة على الخيل ، ولعله أشار إلى ما أخرجه أحمد من رواية عبد الله بن عمر المكبر عن نافع عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وراهن ، قاله الحافظ ، وقال : وقد أجمع العلماء على جواز المسابقة بغير عوض ، لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر والنصل ، وخصه بعض العلماء بالخيل ، وأجازه عطاء في كل شيء ، واتفقوا على جوازها بعوض بشرط أن يكون من غير المتسابقين كالإمام حيث لا يكون له معهم فرس ، وجوز الجمهور أن يكون من أحد الجانبين من المتسابقين ، وكذا إذا كان معهما ثالث محلل بشرط أن لا يخرج من عنده شيئا ليخرج العقد عن صورة القمار ، وهو أن يخرج كل منهما سبقا ، فمن غلب أخذ السبقين فاتفقوا على منعه ، ومنهم من شرط في المحلل أن يكون لا يتحقق السبق في مجلس السبق .

قلت : ويدل على قوله : وكذا إذا كان معهما ثالث محلل إلخ حديث أبي هريرة مرفوعا : من أدخل فرسا بين فرسين فإن كان يؤمن أن يسبق فلا خير فيه وإن كان لا يؤمن أن يسبق فلا بأس به ، رواه في شرح السنة . قال المظهر : اعلم أن المحلل ينبغي أن يكون على فرس مثل فرس المخرجين أو قريبا من فرسيهما في العدو ، فإن كان فرس المحلل جوادا بحيث يعلم المحلل أن فرسي المخرجين لا يسبقان فرسه لم يجز بل وجوده كعدمه ، وإن كان لا يعلم أنه يسبق فرسي المخرجين يقينا أو أنه يكون مسبوقا جاز . وفي شرح السنة ثم في المسابقة إن كان المال من جهة الإمام أو من جهة واحد من عرض الناس شرط للسابق من الفارسين مالا معلوما فجائز ، وإذا سبق استحقه ، وإن كان من جهة الفارسين فقال أحدهما لصاحبه : إن سبقتني فلك علي كذا وإن سبقتك فلا شيء لي عليك ، فهو جائز أيضا ، فإذا سبق استحق المشروط وإن كان المال من جهة كل واحد منهما بأن قال لصاحبه إن سبقتك فلي عليك كذا ، وإن سبقتني فلك علي كذا ، فهذا لا [ ص: 287 ] يجوز إلا بمحلل يدخل بينهما إن سبق المحلل أخذ السبقين ، وإن سبق فلا شيء عليه ، وسمي محللا لأنه محلل للسابق أخذ المال ، فبالمحلل يخرج العقد عن أن يكون قمارا ; لأن القمار يكون الرجل مترددا بين الغنم والغرم فإذا دخل بينهما لم يوجد فيه هذا المعنى ، ثم إذا جاء المحلل أولا ثم جاء المستبقان معا أو أحدهما بعد الآخر أخذ المحلل السبقين ، وإن جاء المستبقان معا ثم المحلل فلا شيء لأحد ، وإن جاء أحد المستبقين أولا ثم المحلل والمستبق الثاني إما معا أو أحدهما بعد الآخر ، أحرز السابق سبقه وأخذ سبق المستبق الثاني ، وإن جاء المحلل وأحد المستبقين معا ثم جاء الثاني مصليا أخذ السابقان سبقه كذا في المرقاة .

قوله : ( وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وأنس وعائشة ) أما حديث أبي هريرة فأخرجه الترمذي في هذا الباب ، وله حديث آخر تقدم لفظه ، وأما حديث جابر فأخرجه الدارقطني ، وأما حديث أنس فأخرجه البخاري ، وأما حديث عائشة فأخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والبيهقي من حديث هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة قالت : سابقت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبقته ، فلما حملت اللحم سابقته فسبقني ، فقال هذه بتلك قال الحافظ : واختلف فيه على هشام فقيل هكذا ، وقيل عن رجل عن أبي سلمة ، وقيل عن أبيه وعن أبي سلمة عن عائشة كذا في التلخيص .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح غريب ) وأخرجه الشيخان .

التالي السابق


الخدمات العلمية