صفحة جزء
باب ما جاء في أكل الأرنب

1789 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو داود أخبرنا شعبة عن هشام بن زيد بن أنس قال سمعت أنسا يقول أنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خلفها فأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها بمروة فبعث معي بفخذها أو بوركها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأكله قال قلت أكله قال قبله قال أبو عيسى وفي الباب عن جابر وعمار ومحمد بن صفوان ويقال محمد بن صيفي وهذا حديث حسن صحيح والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم لا يرون بأكل الأرنب بأسا وقد كره بعض أهل العلم أكل الأرنب وقالوا إنها تدمى
[ ص: 400 ] ( باب ما جاء في أكل الأرنب ) قال الحافظ في الفتح : هو دويبة معروفة تشبه العناق لكن في رجليها طول يخلان بها ، والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى ، ويقال للذكر أيضا الخزز وزن عمر بمعجمات ، وللأنثى عكرشة وللصغير خرنق هذا هو المشهور . وقال الجاحظ : لا يقال أرنب إلا للأنثى ، ويقال إن الأرنب شديدة الجبن كثيرة الشبق ، وإنها تكون سنة ذكرا وسنة أنثى وإنها تحيض ، ويقال : إنها تنام مفتوحة العين انتهى . ويقال للأرنب بالفارسية خركوش .

قوله : ( عن هشام بن زيد ) بن أنس بن مالك الأنصاري ثقة من الخامسة .

قوله : ( أنفجنا أرنبا ) بفاء مفتوحة وجيم ساكنة أي أثرنا ، يقال نفج الأرنب إذا ثار وعدا وانتفج كذلك ، وأنفجته إذا أثرته من موضعه ، ويقال : إن الانتفاج الاقشعرار ، فكأن المعنى جعلناها بطلبنا لها تنتفج ، والانتفاج أيضا ارتفاع الشعر وانتفاشه ( بمر الظهران ) مر بفتح الميم وتشديد الراء والظهران بفتح المعجمة بلفظ تثنية الظهر اسم موضع على مرحلة من مكة ، وقد يسمى بإحدى الكلمتين تخفيفا وهو المكان الذي تسميه عوام المصريين بطن مرو ، والصواب مر بتشديد الراء ( فذبحها بمروة ) بفتح ميم وسكون راء حجر أبيض ويجعل منه كالسكين ( فبعث معي بفخذها أو بوركها ) هو شك من الراوي والورك بالفتح والكسر وككتف ما فوق الفخذ مؤنثة كذا في القاموس ( فأكله فقلت أكله ، قال قبله ) قال الطيبي . الضمير راجع إلى المبعوث أو بمعنى اسم الإشارة أي ذاك انتهى . وحاصله أنه راجع إلى المذكور ، وهذا الترديد لهشام بن زيد وقف جده أنسا على قوله أكله فكأنه توقف في الجزم به وجزم بالقبول . وقد أخرج الدارقطني من حديث عائشة : أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أرنب وأنا نائمة فخبأ لي منها العجز ، فلما قمت أطعمني وهذا لو صح لأشعر بأنه أكل منها ، لكن سنده ضعيف . ووقع في الهداية للحنفية أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل من أرنب حين أهدي إليه مشويا ، وأمر أصحابه بالأكل منه ، وكأنه تلقاه من حديثين فأوله من حديث الباب وقال ظهر ما فيه ، والآخر من حديث أخرجه النسائي من طريق موسى بن طلحة عن أبي هريرة : جاء أعرابي [ ص: 401 ] إلى النبي صلى الله عليه وسلم بأرنب قد شواها فوضعها بين يديه ، فأمسك وأمر أصحابه أن يأكلوا ورجاله ثقات إلا أنه اختلف فيه على موسى بن طلحة اختلافا كثيرا .

قوله : ( وفي الباب عن جابر وعمار ومحمد بن صفوان ويقال محمد بن صيفي ) أما حديث جابر فأخرجه الترمذي في باب الذبح بالمروة وأخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي ، وأما حديث عمار فلينظر من أخرجه ، وأما حديث محمد بن صفوان فأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، وابن حبان والحاكم عنه أنه صاد أرنبين فذبحهما بمروتين ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره بأكلهما ، كذا في المنتقى والنيل . وقال الحافظ في التلخيص بعد ذكر حديث محمد بن صفوان هذا : وفي رواية محمد بن صيفي ، قال الدارقطني : من قال محمد بن صيفي فقد وهم .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة كما في المنتقى .

قوله : ( والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم لا يرون بأكل الأرنب بأسا ) قال النووي في شرح مسلم : أكل الأرنب حلال عند مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد والعلماء كافة ، إلا ما حكي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن أبي ليلى أنهما كرهاها ، دليل الجمهور هذا الحديث يعني حديث الباب مع أحاديث مثله ، ولم يثبت في النهي عنها شيء انتهى ( وقد كره بعض أهل العلم إلخ ) كعبد الله بن عمرو من الصحابة وعكرمة من التابعين ومحمد بن أبي ليلى من الفقهاء ، واحتجوا بحديث خزيمة بن جزء : قلت يا رسول الله ما تقول في الأرنب ؟ قال : " لا آكله ولا أحرمه " ، قلت : فإني آكل ما لا تحرمه ولم يا رسول الله ؟ قال : " نبئت أنها تدمى " . قال الحافظ : وسنده ضعيف ، ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بلفظ : جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يأكلها ولم ينه عنها وزعم أنها تحيض ، أخرجه أبو داود وله شاهد عن عمر عند إسحاق بن راهويه في مسنده انتهى .

قلت : حديث عبد الله بن عمرو في سنده خالد بن الحويرث ، قال الحافظ في تهذيب التهذيب في ترجمته : قال عثمان بن سعيد الدارمي سألت يحيى بن معين عنه ، فقال : لا أعرفه وقال ابن عدي : إذا كان يحيى لا يعرفه فلا يكون له شهرة ولا يعرف ، وذكره ابن حبان في الثقات [ ص: 402 ] انتهى . وفي سنده أيضا محمد ابنه وهو مستور كما صرح به الحافظ في التقريب وتهذيب التهذيب . وأما حديث عمر فقال الحافظ في باب الضب بعد ذكره سنده حسن .

التالي السابق


الخدمات العلمية