صفحة جزء
باب ما جاء فيمن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس

186 حدثنا إسحق بن موسى الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك بن أنس عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج يحدثونه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر وفي الباب عن عائشة قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وبه يقول أصحابنا والشافعي وأحمد وإسحق ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل الذي ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ ويذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها
[ ص: 472 ] قوله : ( وعن بسر بن سعيد ) المدني العابد مولى ابن الحضرمي ثقة جليل ، من الثانية ، مات سنة مائة بالمدينة في خلافة عمر بن عبد العزيز .

( وعن الأعرج ) هو عبد الرحمن بن هرمز الهاشمي مولاهم أبو داود المدني ، ثقة ثبت عالم ، من الثالثة .

( يحدثونه ) أي يحدثون زيد بن أسلم .

قوله : ( من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ) أي من أدرك من صلاة الصبح ركعة بركوعها وسجودها قبل طلوع الشمس فقد أدرك صلاة الصبح ، والإدراك الوصول إلى الشيء فظاهر أنه يكتفى بذلك وليس ذلك مرادا بالإجماع ، فقيل : يحمل على أنه أدرك الوقت ، فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته وهذا قول الجمهور ، وقد صرح بذلك في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم أخرجه البيهقي من وجهين ولفظه : من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعدما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة ، وللنسائي من وجه آخر : " من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أن يقضي ما فاته " ، وللبيهقي من وجه آخر : " من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى " .

ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحوها ، وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته ؛ لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة .

قوله : ( وفي الباب عن عائشة ) قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدرك من العصر سجدة قبل أن تغرب الشمس أو من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدركها رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه ، قال صاحب المنتقى : والسجدة هنا الركعة .

[ ص: 473 ] قوله ( حديث أبي هريرة حديث صحيح ) أخرجه الأئمة الستة .

قوله : ( وبه يقول أصحابنا والشافعي وأحمد وإسحاق ) فقالوا : من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل طلوع الشمس فقد أدرك صلاة الصبح ولا تبطل بطلوعها كما أن من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك صلاة العصر ولا تبطل بغروبها وهو الحق ، قال النووي : قال أبو حنيفة تبطل صلاة الصبح بطلوع الشمس ؛ لأنه دخل وقت النهي عن الصلاة بخلاف غروب الشمس ، والحديث حجة عليه . انتهى ، قال القاري في المرقاة بعد ذكر كلام النووي هذا ما لفظه : وجوابه ما ذكره صدر الشريعة أن المذكور في كتب أصول الفقه أن الجزء المقارن للأداء سبب لوجوب الصلاة وآخر وقت العصر وقت ناقص إذ هو وقت عبادة الشمس فوجب ناقصا ، فإذا أداه أداه كما وجب ، فإذا اعترض الفساد بالغروب لا تفسد والفجر كل وقته وقت كامل ؛ لأن الشمس لا تعبد قبل طلوعها فوجب كاملا ، فإذا اعترض الفساد بالطلوع تفسد ؛ لأنه لم يؤدها كما وجب ، فإن قيل هذا تعليل في معرض النص ، قلنا لما وقع التعارض بين هذا الحديث وبين النهي الوارد عن الصلاة في الأوقات الثلاثة رجعنا إلى القياس كما هو حكم التعارض ، والقياس رجح هذا الحديث في صلاة العصر وحديث النهي في صلاة الفجر ، وأما سائر الصلوات فلا تجوز في الأوقات الثلاثة المكروهة لحديث النهي فيها . انتهى كلام القاري .

قلت : ما ذكره صدر الشريعة مردود قد رده الفاضل اللكنوي وهو من العلماء الحنفية في حاشيته على شرح الوقاية حيث قال : فيه بحث وهو أن المصير إلى القياس عند تعارض النصين إنما هو إذا لم يمكن الجمع بينهما ، وأما إذا أمكن يلزم أن يجمع ، وهاهنا العمل بكليهما ممكن بأن يخص صلاة العصر والفجر الوقتيتان من عموم حديث النهي ويعمل بعمومه في غيرهما ، وبحديث الجواز فيهما إلا أن يقال حديث الجواز خاص وحديث النهي عام ، وكلاهما قطعيان عند الحنفية متساويان في الدرجة والقوة فلا يخص أحدهما الآخر .

وفيه أن قطعية العام كالخاص ليس متفقا عليه بين الحنفية ، فإن كثيرا منهم وافقوا الشافعية في كون العام ظنيا كما هو مبسوط في شروح المنتخب الحسامي وغيرها . انتهى كلامه ، وقال في تعليقه على موطأ الإمام محمد : لا مناص عن ورود أن التساقط إنما يتعين عند تعذر الجمع وهو هاهنا ممكن بوجوه عديدة لا تخفى على المتأمل . انتهى كلامه .

[ ص: 474 ] قلت : الأمر كما قال ، لا ريب في أن الجمع هاهنا ممكن فمع إمكانه القول بالتساقط باطل وقد ذكر ذلك الفاضل وجها للجمع وهو وجه حسن ، ونحن نذكر وجها آخر قال الحافظ في الفتح : وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث وهي دعوى تحتاج إلى دليل ، فإنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال ، والجمع هاهنا ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل ، ولا شك أن التخصيص أولى من ادعاء النسخ . انتهى كلام الحافظ ، قال الشوكاني في النيل : وهذا أيضا جمع بما يوافق مذهب الحافظ ، والحق أن أحاديث النهي عامة تشمل كل صلاة وهذا الحديث خاص فيبنى العام على الخاص ، ولا يجوز في ذلك الوقت شيء من الصلوات بدليل يخصه سواء كان من ذوات الأسباب أو غيرها ، قال : ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت وأن صلاته تكون قضاء ، وإليه ذهب الجمهور ، وقال البعض أداء والحديث يرده ، قال : واختلفوا إذا أدرك من لا تجب عليه الصلاة كالحائض تطهر والمجنون يعقل والمغمى عليه يفيق والكافر يسلم دون ركعة من وقتها هل تجب عليه الصلاة أم لا؟ وفيه قولان للشافعي أحدهما لا تجب وروي عن مالك عملا بمفهوم الحديث ، وأصحهما عن أصحاب الشافعي أنها تلزمه ، وبه قال أبو حنيفة ؛ لأنه أدرك جزءا من الوقت فاستوى قليله وكثيره ، وأجابوا عن مفهوم الحديث بأن التقيد بركعة خرج مخرج الغالب ولا يخفى ما فيه من البعد ، وأما إذا أدرك أحد هؤلاء ركعة وجبت عليه الصلاة بالاتفاق بينهم ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين .

فائدة : إدراك الركعة قبل خروج الوقت لا يخص صلاة الفجر والعصر لما ثبت عند البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وهو أعم من حديث الباب ، قال الحافظ : ويحتمل أن تكون اللام عهدية ويؤيده أن كلا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا مطلق وذاك - يعني حديث الباب - مقيد ، فيحمل المطلق على المقيد . انتهى ، ويمكن أن يقال : إن حديث الباب دل بمفهومه على اختصاص ذلك الحكم بالفجر والعصر ، وهذا الحديث دل بمنطوقه على أن حكم جميع الصلوات لا يختلف في ذلك والمنطوق أرجح من المفهوم فيتعين المصير إليه ولاشتماله على الزيادة التي ليست منافية للمزيد ، كذا في النيل .

قوله : ( ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ عند طلوع الشمس وعند غروبها ) قال الحافظ في الفتح : ونقل بعضهم [ ص: 475 ] الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية