صفحة جزء
باب ما جاء في النهي عن الأكل والشرب بالشمال

1799 حدثنا إسحق بن منصور أخبرنا عبد الله بن نمير حدثنا عبيد الله بن عمر عن ابن شهاب عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله قال وفي الباب عن جابر وعمر بن أبي سلمة وسلمة بن الأكوع وأنس بن مالك وحفصة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وهكذا روى مالك وابن عيينة عن الزهري عن أبي بكر بن عبيد الله عن ابن عمر وروى معمر وعقيل عن الزهري عن سالم عن ابن عمر ورواية مالك وابن عيينة أصح
قوله : ( حدثنا عبد الله بن نمير ) هو الهمداني أبو هشام الكوفي ( عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر ) بن الخطاب ثقة من الرابعة .

[ ص: 422 ] قوله : ( لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله ) قال الشوكاني فيه النهي عن الأكل والشرب بالشمال والنهي حقيقة في التحريم كما تقرر في الأصول ، ولا يكون لمجرد الكراهة فقط إلا مجازا مع قيام صارف . قال النووي : وهذا إذا لم يكن عذر فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك ، فلا كراهة في الشمال وقال فيه استحباب الأكل والشرب باليمين وكراهتهما بالشمال .

قلت : بل في هذا الحديث وجوب الأكل والشرب باليمين كما قال الشوكاني ، ويدل على الوجوب قوله صلى الله عليه وسلم : إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه وإذا شرب فليشرب بيمينه الحديث ، وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن أبي سلمة : كل بيمينك ، فإن الأصل في الأمر الوجوب . قال الحافظ : قال شيخنا يعني الحافظ العراقي في شرح الترمذي : حمله أكثر الشافعية على الندب وبه جزم الغزالي ثم النووي ، لكن نص الشافعي في الرسالة وفي موضع آخر من الأم على الوجوب ، قال : ويدل على وجوب الأكل باليمين ورود الوعيد في الأكل بالشمال ، ففي صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يأكل بشماله فقال : " كل بيمينك " . قال : لا أستطيع قال : " لا استطعت " ، فما رفعها إلى فيه بعد وأخرج الطبراني من حديث سبيعة الأسلمية من حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى سبيعة الأسلمية تأكل بشمالها فقال : " أخذها داء غزة ، فقال " إن بها قرحة " قال . " وإن " ، فمرت بغزة فأصابها طاعون فماتت . وأخرجه محمد بن الربيع الجيزي في مسند الصحابة الذين نزلوا مصر وسنده حسن . وثبت النهي عن الأكل بالشمال وأنه من عمل الشيطان من حديث ابن عمر ومن حديث جابر عند مسلم ، وعند أحمد بسند حسن عن عائشة رفعته : من أكل بشماله أكل معه الشيطان . الحديث انتهى ( فإن الشيطان يأكل بشماله إلخ ) قال التوربشتي : المعنى أنه يحمل أولياءه من الإنس على ذلك الصنيع ليضاد به عباد الله الصالحين ، ثم إن من حق نعمة الله والقيام بشكرها أن تكرم ولا يستهان بها ، ومن حق الكرامة أن تتناول باليمين وتميز بها بين ما كان من النعمة وبين ما كان من الأذى : قال الطيبي : وتحريره أن يقال لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشربن بها ، فإنكم إن فعلتم ذلك كنتم أولياء الشيطان ، فإن الشيطان يحمل أولياءه من الإنس على ذلك انتهى : قال الحافظ : وفيه عدول عن الظاهر ، والأولى حمل الخبر على ظاهره وأن الشيطان يأكل حقيقة ؛ لأن العقل لا يحيل ذلك وقد ثبت الخبر به فلا يحتاج إلى تأويله . وقال [ ص: 423 ] القرطبي : ظاهره أن من فعل ذلك تشبه بالشيطان ، وأبعد وتعسف من أعاد الضمير في شماله إلى الأكل انتهى .

قوله : ( وفي الباب عن جابر وعمر بن أبي سلمة وسلمة بن الأكوع وأنس بن مالك وحفصة ) أما حديث جابر فأخرجه مسلم عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بالشمال " وأما حديث عمر بن أبي سلمة فأخرجه الشيخان عنه قال : كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال لي : " يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " . وأما حديث سلمة بن الأكوع فأخرجه مسلم وتقدم لفظه . وأما حديث أنس بن مالك فلينظر من أخرجه . وأما حديث حفصة فأخرجه أحمد .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد ومسلم ( ورواية مالك وابن عيينة أصح ) لأن مالكا وابن عيينة أجل وأوثق من معمر وعقيل ، وقد تابعهما عبيد الله بن عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية