صفحة جزء
باب ما جاء في الرخصة أن ينبذ في الظروف

1869 حدثنا محمد بن بشار والحسن بن علي ومحمود بن غيلان قالوا حدثنا أبو عاصم حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني كنت نهيتكم عن الظروف وإن ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه وكل مسكر حرام قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
[ ص: 498 ] قوله : ( والحسن بن علي ) هو الخلال الحلواني ( حدثنا أبو عاصم ) اسمه الضحاك بن مخلد النبيل ( حدثنا سفيان ) هو الثوري .

قوله : ( إني كنت نهيتكم عن الظروف ) أي عن الانتباذ في ظرف من هذه الظروف المذكورة في الباب المتقدم ( وإن ظرفا لا يحل ) بضم أوله أي لا يبيح ( ولا يحرمه وكل مسكر حرام ) وفي رواية لمسلم : نهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الأسقية كلها ولا تشربوا مسكرا . قال النووي : كان الانتباذ في الحنتم والدباء والنقير والمزفت منهيا عنه في أول الإسلام خوفا من أن يصير مسكرا فيها ولا نعلم به لكثافتها فيتلف ماليته وربما شربه الإنسان ظانا أن لم يصر مسكرا فيصير شاربا للمسكر ، وكان العهد قريبا بإباحة المسكر ، فلما طال الزمان واشتهر تحريم المسكرات وتقرر ذلك في نفوسهم نسخ ذلك وأبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط أن لا تشربوا مسكرا ، وهذا صريح قوله صلى الله عليه وسلم في حديث بريدة : كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في سقاء الحديث . قال هذا الذي ذكرناه من كونه منسوخا هو مذهبنا ومذهب جماهير العلماء . قال الخطابي : القول بالنسخ هو أصح الأقاويل . قال وقال قوم : التحريم باق وكرهوا الانتباذ في هذه الأوعية ، ذهب إليه مالك وأحمد وإسحاق وهو مروي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم انتهى .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) قال في المنتقى : رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود .

قوله : ( عن سفيان ) هو الثوري ( عن منصور ) هو ابن المعتمر ( عن سالم بن أبي الجعد ) هو الأشجعي الكوفي .

[ ص: 499 ] قوله : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظروف ) جمع ظرف وهو الوعاء أي عن الانتباذ فيها . وفي رواية مسلم من طريق أبي الزبير عن جابر : نهى عن الدباء والمزفت ( فقالوا ليس لنا وعاء ) وفي رواية البخاري : فقالت الأنصار إنه لا بد لنا منها ( قال ) أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فلا إذا ) قال الحافظ : جواب وجزاء ، أي إذا كان كذلك لا بد لكم منها فلا تدعوها ، وحاصله أن النهي كان ورد على تقدير عدم الاحتياج أو وقع وحي في الحال بسرعة ، أو كان الحكم في تلك المسألة مفوضا لرأيه صلى الله عليه وسلم . وهذه الاحتمالات ترد على من جزم بأن الحديث حجة في أنه صلى الله عليه وسلم كان يحكم بالاجتهاد انتهى . وفي عمدة القاري : قال ابن بطال : النهي عن الأوعية إنما كان قطعا للذريعة فلما قالوا لا بد لنا ، قال : انتبذوا فيها ، وكذلك كل نهي كان لمعنى النظر إلى غيره ، كنهيه عن الجلوس في الطرقات ، فلما ذكروا أنهم لا يجدون بدا من ذلك قال : إذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه . وقال أبو حنيفة وأصحابه : الانتباذ في جميع الأوعية كلها مباح ، وأحاديث النهي عن الانتباذ منسوخة بحديث جابر هذا ، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام أطلق لهم جميع الأوعية والظروف حين قال له الأنصار لا بد لنا منها ، فقال : فلا إذا ولم يستثن منها شيئا انتهى .

قوله : ( وفي الباب عن ابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو ) أما حديث ابن مسعود فأخرجه ابن ماجه عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني كنت نهيتكم عن نبيذ الأوعية ، ألا وإن وعاء لا يحرم شيئا ، كل مسكر حرام وأما حديث أبي هريرة وحديث أبي سعيد فلينظر من أخرجهما . وأما حديث عبد الله بن عمرو فأخرجه الشيخان عنه قال : لما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النبيذ في الأوعية قالوا : ليس كل الناس يجد ، فأرخص لهم في الجر غير المزفت .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه البخاري وأبو داود والنسائي .

باب ما جاء في الانتباذ في السقاء

أي في الانتباذ في السقاء .

[ ص: 500 ] قوله : ( عن يونس بن عبيد ) بن دينار العبدي ( عن أمه ) اسمها خيرة مولاة أم سلمة مقبولة من الثانية .

قوله : ( كنا ننبذ ) بكسر الموحدة ويجوز ضم النون الأولى مع تخفيف الموحدة وتشديدها ، وفي القاموس : النبذ الطرح ، والفعل كضرب ، والنبيذ الملقى وما نبذ من عصير ونحوه ، وقد نبذه وأنبذه وانتبذه ونبذه انتهى ، أي نطرح الزبيب ونحوه ( في سقاء ) بكسر أوله ممدودا ( يوكأ أعلاه ) أي يشد رأسه بالوكاء وهو الخيط الذي يشد به رأس القربة . اعلم أنه قد وقع في النسخ الموجودة يوكأ بالهمز وكذا وقع في صحيح مسلم . قال النووي : قولها في سقاء يوكأ هذا مما رأيته يكتب ويضبط فاسدا وصوابه يوكى بالياء غير مهموز انتهى . وذكره صاحب القاموس في المعتل وقال الوكاء ككساء رباط القربة وغيرها ، وقد وكاها وأوكاها وعليها انتهى ، وكذا ذكره صاحب النهاية في المعتل ، ويدل على أنه معتل لا مهموز قوله صلى الله عليه وسلم أوكئوا السقاء في حديث جابر بضم الكاف ( له ) أي للسقاء ( عزلاء ) بفتح العين المهملة وإسكان الزاي وبالمد وهو الثقب الذي يكون في أسفل المزادة والقربة . قال ابن الملك : أي له ثقبة في أسفله يشرب منه الماء ( ننبذه ) أي نطرح التمر ونحوه في السقاء ( غدوة ) بالضم ما بين الصلاة الغدوة وطلوع الشمس ( ويشربه ) أي هو يعني النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك المنبوذ ( عشاء ) بكسر العين وفتح الشين وبالمد وهو ما بعد الزوال إلى المغرب على ما في النهاية وحديث عائشة هذا لا يخالف حديث ابن عباس : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبذ له الزبيب في السقاء فيشربه يومه والغد وبعد الغد ، فإذا كان مساء الثالثة شربه وسقاه ، فإن فضل شيء أهراقه ، أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه ، فإن الشرب في يوم لا يمنع الزيادة . وقال بعضهم : لعل حديث عائشة كان زمن الحر وحيث يخشى فساده في الزيادة على يوم ، وحديث أبي عباس في زمن يؤمن فيه التغير قبل الثلاث ، وقيل حديث عائشة محمول على نبيذ قليل يفرغ في يومه ، وحديث ابن عباس في كثير لا يفرغ فيه .

قوله : ( وفي الباب عن جابر وأبي سعيد وابن عباس ) أما حديث جابر فأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه عنه قال : كان ينتبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء فإذا لم يجدوا سقاء ، نبذ له في تور من حجارة . وأما حديث أبي سعيد فلينظر من أخرجه وأما حديث ابن عباس فقد تقدم تخريجه ولفظه آنفا .

[ ص: 501 ] قوله : ( وهذا حديث حسن غريب ) وأخرجه مسلم وأبو داود .

التالي السابق


الخدمات العلمية