صفحة جزء
باب ما جاء في عقوق الوالدين

1901 حدثنا حميد بن مسعدة حدثنا بشر بن المفضل حدثنا الجريري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أحدثكم بأكبر الكبائر قالوا بلى يا رسول الله قال الإشراك بالله وعقوق الوالدين قال وجلس وكان متكئا فقال وشهادة الزور أو قول الزور فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها حتى قلنا ليته سكت قال وفي الباب عن أبي سعيد قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وأبو بكرة اسمه نفيع بن الحارث
يقال عق والده يعقه عقوقا : إذا آذاه وعصاه وخرج عليه ، وأصله من العق ؛ وهو الشق والقطع .

قوله : ( ألا أحدثكم بأكبر الكبائر ؟ ) الكبائر جمع الكبيرة وهي السيئة العظيمة التي خطيئتها في نفسها كبيرة ، وعقوبة فاعلها عظيمة بالنسبة إلى معصية ليست بكبيرة ، وقيل الكبيرة ما أوعد عليه الشارع بخصوصه ، وقيل ما عين له حد ، وقيل النسبة إضافية فقد يكون الذنب كبيرة بالنسبة لما دونه صغيرة بالنسبة إلى ما فوقه ، وقد يتفاوت باعتبار الأشخاص والأحوال ، وقد بسط الحافظ الكلام في تفسير الكبيرة والصغيرة وما يتعلق بهما في الفتح في باب عقوق الوالدين من الكبائر من كتاب الأدب ، والنووي في شرح مسلم في باب الكبائر وأكبرها من كتاب الإيمان .

وقوله : ( أكبر الكبائر ) ليس على ظاهره من الحصر ، بل من فيه مقدرة ، فقد ثبت في أشياء أخر أنها من أكبر الكبائر منها حديث أنس في قتل النفس أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي ، وحديث ابن مسعود أي الذنب أعظم ؟ فذكر فيه الزنا بحليلة الجار ، وحديث عبد الله بن أنيس الجهني مرفوعا قال : من أكبر الكبائر ، فذكر منها " اليمين الغموس " أخرجه الترمذي بسند حسن ، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد ، وحديث أبي هريرة رفعه : إن من أكبر الكبائر استطالة المرء في عرض رجل مسلم ، أخرجه ابن أبي حاتم بسند حسن ، وحديث بريدة رفعه : من أكبر الكبائر فذكر منها منع فضل الماء ومنع الفحل ، أخرجه البزار بسند ضعيف ، وحديث ابن عمر رفعه : أكبر الكبائر سوء الظن بالله ، أخرجه ابن مردويه بسند ضعيف ، ذكره الحافظ في الفتح .

( وعقوق الوالدين ) بضم العين المهملة مشتق من العق وهو القطع والمراد به صدور ما يتأذى به الوالد من ولده من قول أو فعل إلا في شرك أو معصية ما لم يتعنت الوالد ، وضبطه ابن عطية بوجوب طاعتهما في المباحات فعلا وتركا ، واستحبابها في المندوبات وفروض الكفاية كذلك ، ومنه تقديمهما عند تعارض الأمرين ، وهو كمن دعته أمه ليمرضها مثلا بحيث يفوت عليه فعل واجب إن استمر عندها ويفوت ما قصدته من تأنيسه لها وغير ذلك أن لو تركها [ ص: 24 ] وفعله وكان مما يمكن تداركه مع فوات الفضيلة كالصلاة أول الوقت أو في الجماعة ( قال وجلس ) أي للاهتمام بهذا الأمر وهو يفيد تأكيد تحريمه وعظم قبحه ( وكان متكئا ) جملة حالية ، وسبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعا على الناس ، والتهاون بها أكثر ، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم ، والعقوق يصرف عنه الطبع ، وأما الزور فالحوامل عليه كثيرة كالعداوة والحسد وغيرهما فاحتيج إلى الاهتمام بتعظيمه ، وليس ذلك لعظمهما بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعا ، بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالبا ، وهذا الحديث يأتي أيضا بسنده ومتنه في الشهادات .

قوله ( وفي الباب عن أبي سعيد ) أخرجه أبو داود .

التالي السابق


الخدمات العلمية