صفحة جزء
باب ما جاء في المداراة

1996 حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان بن عيينة عن محمد بن المنكدر عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا عنده فقال بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت له يا رسول الله قلت له ما قلت ثم ألنت له القول فقال يا عائشة إن من شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
[ ص: 112 ] ( باب ما جاء في المداراة ) قال في النهاية : المداراة بلا همز ملاينة الناس وحسن صحبتهم واحتمالهم لئلا ينفروا عنك وقد يهمز .

قوله : ( عن محمد بن المنكدر ) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي ، ثقة فاضل من الثالثة ، وقد وقع في النسخة الأحمدية محمود بن المنكدر وهو غلط والصواب محمد بن المنكدر .

قوله : ( بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ) أو للشك فقيل يحتمل أن يكون الشك من سفيان فإن جميع أصحاب المنكدر رووه عنه بدون الشك ، وفي رواية للبخاري : بئس أخو العشيرة وابن العشيرة من غير شك ، قال الطيبي : العشيرة القبيلة ، أي بئس هذا الرجل من هذه العشيرة ، كما يقال يا أخا العرب لرجل منهم ، قال النووي : واسم هذا الرجل عيينة بن حصين ولم يكن أسلم حينئذ وإن كان قد أظهر الإسلام فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين حاله ليعرفه الناس ولا يغتر به من لم يعرف بحاله ، وكان منه في حياته صلى الله عليه وسلم وبعده ما دل على ضعف إيمانه ، ووصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة من أعلام النبوة لأنه ارتد بعده صلى الله عليه وسلم وجيء به أسيرا إلى الصديق .

( ألان له القول ) وفي المشكاة : تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه ، أي أظهر له طلاقة الوجه وبشاشة البشرة وتبسم له ، قال النووي : وإنما ألان له القول تألفا له ولأمثاله على الإسلام ، وفيه مداراة من يتقي فحشه وجواز غيبة الفاسق ، وفي شرح السنة : فيه دليل على أن ذكر الفاسق بما فيه ليعرف أمره فيتقى لا يكون من الغيبة ، ولعل الرجل كان مجاهرا بسوء أفعاله ، ولا غيبة لمجاهر ، قال النووي : ومن الذين يجوز لهم الغيبة المجاهر بفسقه أو بدعته فيجوز ذكره بما يجهر به ولا يجوز بغيره ( إن من شر الناس ) وفي رواية : إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة ( من تركه الناس ) أي ترك الناس التعرض له ( أو ودعه ) أو للشك من بعض الرواة ( اتقاء فحشه ) وفي رواية اتقاء شره ، أي [ ص: 113 ] كي لا يؤذيهم بلسانه ، وفيه رخصة المداراة لدفع الضرر ، وقد جمع هذا الحديث كما قاله الخطابي علما وأدبا ، وليس قوله عليه السلام في أمته بالأمور التي يسهم بها ويضيفها إليهم من المكروه غيبة وإنما يكون ذلك من بعضهم في بعض ، بل الواجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبين ذلك ويفصح به ويعرف الناس أمورهم ، فإن ذلك من باب النصيحة والشفقة على الأمة ، ولكنه لما جبل عليه من الكرم وأعطيه من حسن الخلق أظهر له البشاشة ولم يجبه بالمكروه ، وليقتدي به أمته في اتقاء شر من هذا سبيله وفي مداراته ليسلموا من شره وغائلته ، وقال القرطبي : فيه جواز غيبة المعلن بالفسق أو الفحش ونحو ذلك مع جواز مداراتهم اتقاء شرهم ما لم يؤد ذلك إلى المداهنة ، ثم قال تبعا للقاضي حسين : والفرق بين المداراة والمداهنة أن المداراة بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا وهي مباحة وربما استحسنت ، والمداهنة بذل الدين لصلاح الدنيا انتهى ، وهذه فائدة جليلة ينبغي حفظها والمحافظة عليها ، فإن أكثر الناس عنها غافلون وبالفرق بينهما جاهلون .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وغيرهما .

التالي السابق


الخدمات العلمية