صفحة جزء
باب ما جاء في كراهية البول في المغتسل

21 حدثنا علي بن حجر وأحمد بن محمد بن موسى مردويه قالا أخبرنا عبد الله بن المبارك عن معمر عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبول الرجل في مستحمه وقال إن عامة الوسواس منه قال وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث أشعث بن عبد الله ويقال له أشعث الأعمى وقد كره قوم من أهل العلم البول في المغتسل وقالوا عامة الوسواس منه ورخص فيه بعض أهل العلم منهم ابن سيرين وقيل له إنه يقال إن عامة الوسواس منه فقال ربنا الله لا شريك له وقال ابن المبارك قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء قال أبو عيسى حدثنا بذلك أحمد بن عبدة الآملي عن حبان عن عبد الله بن المبارك
قوله : ( وأحمد بن محمد بن موسى ) المروزي أبو العباس السمسار ، مردويه الحافظ ، عن ابن المبارك وجرير بن عبد الحميد وإسحاق الأزرق ، وعنه البخاري والترمذي والنسائي وقال لا بأس به ، مات سنة 235 خمس وثلاثين ومائتين ، قال الحافظ ابن حجر هو المعروف بمردويه ، ثقة حافظ . انتهى . وفي المغني لصاحب مجمع البحار : مردويه بمفتوحة وسكون راء وضم مهملة وبتحتية لقب أحمد بن محمد ( قالا أنا عبد الله بن المبارك ) تقدم ترجمته في المقدمة .

( عن معمر ) تقدم ( عن أشعث ) ابن عبد الله بن جابر أبي عبد الله البصري ، عن أنس وشهر بن حوشب [ ص: 81 ] وغيرهما ، وعنه معمر وشعبة وغيرهما ، وثقه النسائي وغيره وأورده العقيلي في الضعفاء وقال : في حديثه وهم ، قال الذهبي : قول العقيلي في حديثه وهم ليس بمسلم ، وأنا أتعجب كيف لم يخرج له الشيخان ، وقال الشيخ ولي الدين العراقي لا يعتبر بما وقع في أحكام عبد الحق من أن أشعث لم يسمعه من الحسن فإنه وهم .

( عن الحسن ) ابن أبي الحسن يسار البصري ، ثقة فقيه فاضل مشهور يرسل كثيرا ويدلس ، وهو رأس أهل الطبقة الثالثة ، قال البزار كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم فيتجوز ويقول : حدثنا وخطبنا ، يعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة ، كذا في التقريب ، قال الشيخ ولي الدين العراقي : قد صرح أحمد بن حنبل بسماع الحسن من عبد الله بن مغفل .

قوله : ( نهى أن يبول الرجل في مستحمه ) أي في مغتسله كما جاء في الحديث الذي أشار إليه الترمذي ، وقد ذكرنا لفظه ، قال الجزري في النهاية : المستحم الموضع الذي يغتسل فيه بالحميم ، وهو في الأصل الماء الحار ثم قيل للاغتسال بأي ماء كان : استحمام . وإنما نهى عن ذلك إذا لم يكن له مسلك يذهب فيه البول أو كان المكان صلبا فيوهم المغتسل أنه أصابه منه شيء فيحصل منه الوسواس . انتهى .

( وقال إن عامة الوسواس ) بكسر الواو الأولى ، وفي رواية أبي داود فإن عامة الوسواس ( منه ) أي من البول أي من البول في المستحم ، أي أكثر الوسواس يحصل من البول في المغتسل ؛ لأنه يصير الموضع نجسا فيقع في قلبه وسوسة بأنه هل أصابه شيء من رشاشه أم لا ، قال الجزري في النهاية : وسوست إليه نفسه وسوسة ووسواسا بالكسر وهو بالفتح الاسم ، والوسواس أيضا اسم للشيطان . انتهى .

قوله : ( وفي الباب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) أخرجه أبو داود بلفظ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله ، وأخرجه النسائي مختصرا وسكت عنه أبو داود والمنذري .

قوله : ( هذا حديث غريب ) وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري .

[ ص: 82 ] قوله : ( ورخص فيه بعض أهل العلم منهم ابن سيرين ) هو محمد بن سيرين الأنصاري أبو بكر بن عمرة البصري ، ثقة ثبت عابد كبير القدر كان لا يرى الرواية بالمعنى ، من الثالثة مات سنة 110 عشر ومائة كذا في التقريب ، وكره ذلك آخرون واستدلوا عليه بحديث الباب ، وقولهم هو الراجح الموافق لحديث الباب ، قال الشوكاني في النيل : وربط النهي بعلة إفضاء المنهي عنه إلى الوسوسة يصلح قرينة تصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة .

( قيل له ) أي لابن سيرين ( يقال إن عامة الوسواس منه فقال ربنا الله لا شريك له ) قال أبو الطيب السندي في شرحه للترمذي : فهو المتوحد في خلقه لا دخل للبول في المغتسل في شيء من الخلق ، قال بعض العلماء في جوابه : إن الله تعالى جعل للأشياء أسبابا فلا بد من التجنب عن الأسباب القبيحة . أقول علم قبحه بنهي الشارع عنه . انتهى كلام أبي الطيب .

( وقال فابن المبارك قد وسع في البول في المغتسل إذا جرى فيه الماء ) قال الحافظ ولي الدين العراقي : حمل جماعة من العلماء هذا الحديث على ما إذا كان المغتسل لينا وليس فيه منفذ بحيث إذا نزل فيه البول شربته الأرض وإذا استقر فيها فإن كان صلبا ببلاط ونحوه بحيث يجري عليه البول ولا يستقر أو كان فيه منفذ كالبالوعة ونحوها فلا نهي . روى ابن أبي شيبة عن عطاء قال : إذا كان يسيل فلا بأس وقال ابن ماجه في سننه : سمعت علي بن محمد الطنافسي يقول : إنما هذا في الحفيرة فأما اليوم لمغتسلاتهم الجص والقير فإذا بال فأرسل عليه الماء فلا بأس به ، وقال النووي إنما نهى عن الاغتسال فيه إذا كان صلبا يخاف منه إصابة رشاشه فإن كان لا يخاف ذلك بأن يكون له منفذ أو غير ذلك فلا كراهة ، قال الشيخ ولي الدين : وهو عكس ما ذكره الجماعة فإنهم حملوا النهي على الأرض اللينة وحمله هو على الصلبة وقد لمح هو معنى آخر وهو أنه في الصلبة يخشى عود الرشاش بخلاف الرخوة وهم نظروا إلى أنه في الرخوة يستقر موضعه وفي الصلبة يجري ولا يستقر فإذا صب عليه الماء ذهب أثره بالكلية . انتهى . والذي قاله النووي سبقه إليه صاحب النهاية كما عرفت آنفا . قلت والأولى أن يحمل الحديث على إطلاقه ولا يقيد المستحم بشيء من القيود فيحترز عن البول في المغتسل مطلقا سواء كان له مسلك أم لا وسواء كان المكان صلبا أو لينا فإن الوسواس قد يحصل من البول في المغتسل الذي له مسلك أيضا وكذلك قد يحصل الوسواس منه في [ ص: 83 ] المغتسل اللين والصلب كما لا يخفى .

قوله : ( حدثنا بذلك ) أي بقول ابن المبارك المذكور ( أحمد بن عبدة الآملي ) بالمد وضم الميم يكنى أبا جعفر ، صدوق من الحادية عشرة ، روى عنه أبو داود والترمذي ( عن حبان ) بكسر الحاء المهملة وشدة الموحدة هو حبان بن موسى بن سوار السلمي أبو محمد المروزي . عن ابن المبارك وأبي حمزة السكري ، وعنه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي قال ابن معين : لا بأس به وذكره ابن حبان في الثقات كذا في الخلاصة ، وقال الحافظ ثقة .

التالي السابق


الخدمات العلمية