صفحة جزء
كتاب القدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر

2133 حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي البصري حدثنا صالح المري عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان فقال أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه قال أبو عيسى وفي الباب عن عمر وعائشة وأنس وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث صالح المري وصالح المري له غرائب ينفرد بها لا يتابع عليها
[ ص: 279 ] ( أبواب القدر إلخ ) القدر : بفتح القاف والدال المهملة عبارة عما قضاه الله وحكم به من الأمور ، وهو مصدر قدر يقدر قدرا وقد تسكن داله .

( باب ما جاء في التشديد في الخوض في القدر ) قال في شرح السنة : الإيمان بالقدر فرض لازم وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق أعمال العباد خيرها وشرها وكتبها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم ، والكل بقضائه وقدره وإرادته ومشيئته ، غير أنه يرضى الإيمان والطاعة ووعد عليهما الثواب ولا يرضى الكفر والمعصية وأوعد عليهما العقاب ، والقدر سر من أسرار الله تعالى لم يطلع عليه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ، ولا يجوز الخوض فيه والبحث عنه بطريق العقل ، بل يجب أن يعتقد أن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم فرقتين فرقة خلقهم للنعيم فضلا وفرقة للجحيم عدلا ، وسأل رجل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : أخبرني عن القدر ، قال : طريق مظلم لا تسلكه ، وأعاد السؤال فقال : بحر عميق لا تلجه ، وأعاد السؤال فقال : سر الله قد خفي عليك فلا تفتشه ، ولله در من قال :

تبارك من أجرى الأمور بحكمه كما شاء لا ظلما ولا هضما


فما لك شيء غير ما الله شاءه     فإن شئت طب نفسا وإن شئت مت كظما



[ ص: 280 ] قوله : ( ونحن نتنازع ) أي حال كوننا نتباحث ( في القدر ) أي في شأنه فيقول بعضنا : إذا كان الكل بالقدر فلم الثواب والعقاب كما قالت المعتزلة ، والآخر يقول : فما الحكمة في تقدير بعض للجنة وبعض للنار ، فيقول الآخر : لأن لهم فيه نوع اختيار كسبي .

فيقول الآخر من أوجد ذلك الاختيار والكسب وأقدرهم عليه وما أشبه ذلك ( فغضب حتى احمر وجهه ) أي نهاية الاحمرار ( حتى ) أي حتى صار من شدة حمرته ( كأنما فقئ ) بصيغة المجهول أي شق أو عصر ( في وجنتيه ) أي خديه ( الرمان ) أي حبه ، فهو كناية عن مزيد حمرة وجهه المنبئة عن مزيد غضبه ، وإنما غضب لأن القدر سر من أسرار الله تعالى وطلب سره منهي ، ولأن من يبحث فيه لا يأمن من أن يصير قدريا أو جبريا ، والعباد مأمورون بقبول ما أمرهم الشرع من غير أن يطلبوا سر ما لا يجوز طلب سره .

( أبهذا ) أي بالتنازل في القدر ، وهمزة الاستفهام للإنكار وتقديم المجرور لمزيد الاهتمام ( أم بهذا أرسلت إليكم ) أم منقطعة بمعنى بل والهمزة وهي للإنكار أيضا ترقيا من الأهون إلى الأغلظ وإنكارا غب إنكار قالهالقاري ( إنما هلك من كان قبلكم ) أي من الأمم جملة مستأنفة جوابا عما اتجه لهم أن يقولوا لم تنكر هذا الإنكار البليغ ( حين تنازعوا في هذا الأمر ) هذا يدل على أن غضب الله وإهلاكهم كان من غير إمهال ففيه زيادة وعيد ( عزمت ) أي أقسمت أو أوجبت ( عليكم ) قيل أصله عزمت بإلقاء اليمين وإلزامها عليكم ( ألا تنازعوا ) بحذف إحدى التاءين ( فيه ) أي في القدر لا تبحثوا فيه بعد هذا ، قال ابن الملك : إن هذه يمنع كونها مصدرية وزائدة لأن جواب القسم لا يكون إلا جملة وأن لا تزاد مع لا فهي إذا مفسرة ، كأقسمت أن لا ضربت ، وتنازعوا جزم بلا الناهية ، ويجوز أن تكون مخففة من الثقيلة لأنها مع اسمها وخبرها سدت مسد الجملة ، كذا قاله زين العرب .

قوله : ( وفي الباب عن عمر وعائشة وأنس ) أما حديث عمر فأخرجه أبو داود بلفظ : لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم ، وكذا أحمد والحاكم ، وأما حديث عائشة فأخرجه ابن ماجه ، وأما حديث أنس فأخرجه الترمذي وابن ماجه .

[ ص: 281 ] قوله : ( هذا حديث حسن غريب ) في سنده صالح بن بشير بن وادع المري أبو بشر البصري وهو ضعيف ، وقال الذهبي : ضعفوه ولم يخرج له من أصحاب الكتب الستة فيها سوى الترمذي وروى ابن ماجه نحوه عن ابن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، ويؤيده حديث ابن مسعود مرفوعا عند الطبراني بإسناد حسن بلفظ : إذا ذكر القدر فأمسكوا ، ويؤيده أيضا حديث ثوبان عند الطبراني في الكبير بلفظ : اجتمع أربعون من الصحابة ينظرون في القدر ، الحديث .

وفي الباب عن ابن عباس عند ابن جرير بلفظ : خرج النبي صلى الله عليه وسلم فسمع أناسا من أصحابه يذكرون القدر ، الحديث ، وعن أبي الدرداء وواثلة وأبي أمامة وأنس عند الطبراني في الكبير ( وصالح المري له غرائب يتفرد بها ) قال في التقريب : صالح بن بشير بن وادع المري بضم الميم وتشديد الراء ، أبو البشر البصري القاص الزاهد ، ضعيف من السابعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية