صفحة جزء
باب ما جاء كل مولود يولد على الفطرة

2138 حدثنا محمد بن يحيى القطعي البصري حدثنا عبد العزيز بن ربيعة البناني حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مولود يولد على الملة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يشركانه قيل يا رسول الله فمن هلك قبل ذلك قال الله أعلم بما كانوا عاملين به حدثنا أبو كريب والحسين بن حريث قالا حدثنا وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه وقال يولد على الفطرة قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد رواه شعبة وغيره عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال يولد على الفطرة وفي الباب عن الأسود بن سريع
[ ص: 287 ] قوله : ( كل مولود ) قال القاري : أي من الثقلين ، وقال الحافظ : أي من بني آدم وصرح به جعفر بن ربيعة عن الأعرج عن أبي هريرة بلفظ : كل بني آدم يولد على الفطرة ، وكذا رواه خالد الواسطي عن عبد الرحمن بن إسحاق عن أبي الزناد عن الأعرج ، ذكرها ابن عبد البر ( يولد على الملة ) وفي رواية الشيخين على الفطرة ، وقد اختلف السلف في المراد بالفطرة في هذا الحديث على أقوال كثيرة ، وحكى أبو عبيد أنه سأل محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة عن ذلك فقال كان هذا في أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل الأمر بالجهاد ، قال أبو عبيد : كأنه عنى أنه لو كان يولد على الإسلام فمات قبل أن يهوده أبواه مثلا لم يرثاه والواقع في الحكم أنهما يرثانه فدل على تغير الحكم ، وقد تعقبه ابن عبد البر وغيره : وسبب الاشتباه أنه حمله على أحكام الدنيا فلذلك ادعى فيه النسخ ، والحق أنه إخبار من النبي صلى الله عليه وسلم بما وقع في نفس الأمر ، ولم يرد به إثبات أحكام الدنيا ، وأشهر الأقوال : " إن المراد بالفطرة الإسلام " ، قال ابن عبد البر : وهو المعروف عند عامة السلف ، وأجمع أهل العلم بالتأويل على أن المراد بقوله تعالى فطرة الله التي فطر الناس عليها الإسلام ، واحتجوا بقول أبي هريرة في آخر حديث الباب اقرءوا إن شئتم فطرة الله التي فطر الناس عليها وبحديث عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه : إني خلقت عبادي حنفاء كلهم فاجتالتهم الشياطين عن دينهم الحديث ، وقد رواه غيره فزاد فيه : حنفاء مسلمين ، فظهر من هذا كله أن المراد بالملة في هذه الرواية هي ملة الإسلام .

( فأبواه يهودانه ) بتشديد الواو أي يعلمانه اليهودية ويجعلانه يهوديا ، والفاء إما للتعقيب وهو ظاهر ، وإما للتسبب أي إذا كان كذا فمن تغير كان بسبب أبويه غالبا ( وينصرانه ) بتشديد الصاد : أي يعلمانه النصرانية ويجعلانه نصرانيا ( ويشركانه ) بتشديد الراء : أي يعلمانه الشرك ويجعلانه مشركا ( فمن هلك قبل ذلك ) أي قبل أن [ ص: 288 ] يهوده أبواه وينصراه ويشركاه ( قال الله أعلم بما كانوا عاملين به ) قال ابن قتيبة معنى قوله بما كانوا عاملين أي لو أبقاهم فلا تحكموا عليهم بشيء وقال غيره أي علم أنهم لا يعملون شيئا ولا يرجعون فيعملون أو أخبر بعلم شيء لو وجد كيف يكون مثل قوله ولو ردوا لعادوا ولكن لم يرد أنهم يجازون بذلك في الآخرة ; لأن العبد لا يجازى بما لم يعمل ، قال النووي في شرح مسلم : أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفا ، وأما أطفال المشركين ففيهم ثلاثة مذاهب : قال الأكثرون هم في النار تبعا لآبائهم ، وتوقفت طائفة فيهم ، والثالث وهو الصحيح الذي ذهب إليه المحققون أنهم من أهل الجنة ، ويستدل له بأشياء منها حديث إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم حين رآه النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة وحوله أولاد الناس قالوا : يا رسول الله وأولاد المشركين قال : وأولاد المشركين ، رواه البخاري في صحيحه ، ومنها قوله تعالى : وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ولا يتوجه على المولود التكليف حتى يبلغ ، وهذا متفق عليه ، انتهى كلام النووي .

قلت : ويؤيد هذا المذهب الثالث ما رواه أبو يعلى من حديث أنس مرفوعا : سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم فأعطانيهم ، قال الحافظ : إسناده حسن ، قال وورد تفسير اللاهين بأنهم الأطفال من حديث ابن عباس مرفوعا أخرجه البزار ، ويؤيده أيضا ما روى أحمد من طريق خنساء بنت معاوية بن صريم عن عمتها قالت : قلت يا رسول الله من في الجنة ؟ قال : النبي في الجنة والشهيد في الجنة ، والمولود في الجنة ، قال الحافظ إسناده حسن ، ويؤيده أيضا ما روى عبد الرزاق من طريق أبي معاذ عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : سألت خديجة النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال : هم مع آبائهم ، ثم سألته بعد ذلك فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعد ما استحكم الإسلام فنزل ولا تزر وازرة وزر أخرى قال : هم على الفطرة أو قال : هم في الجنة .

[ ص: 289 ] قال الحافظ : وأبو معاذ هو سليمان بن أرقم وهو ضعيف ولو صح هذا لكان قاطعا للنزاع ورافعا لكثير من الإشكال انتهى .

وقد اختار الإمام البخاري هذا المذهب الثالث ، قال الحافظ تحت قوله باب ما قيل في أولاد المشركين : هذه الترجمة تشعر بأنه كان متوقفا في ذلك وقد جزم بعد هذا في تفسير سورة الروم بما يدل على اختيار القول الصائر إلى أنهم في الجنة ، وقد رتب أحاديث هذا الباب ترتيبا يشير إلى المذهب المختار ، فإنه صدره بالحديث الدال على التوقف ، ثم ثنى بالحديث المرجح لكونهم في الجنة ، يعني حديث كل مولود يولد على الفطرة ، ثم ثلث بالحديث المصرح بذلك ، يعني حديث سمرة بن جندب ، فإن قوله في سياقه : وأما الصبيان حوله فأولاد الناس ، قد أخرجه في التعبير بلفظ : وأما الولدان الذين حوله فكل مولود يولد على الفطرة ، فقال بعض المسلمين : وأولاد المشركين ، فقال : وأولاد المشركين ، انتهى كلام الحافظ ، قوله : ( هذا حديث صحيح ) وأخرجه الشيخان .

التالي السابق


الخدمات العلمية