صفحة جزء
باب ما جاء في الزهادة في الدنيا

2340 حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن أخبرنا محمد بن المبارك حدثنا عمرو بن واقد حدثنا يونس بن حلبس عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الزهادة في الدنيا ليست بتحريم الحلال ولا إضاعة المال ولكن الزهادة في الدنيا أن لا تكون بما في يديك أوثق مما في يدي الله وأن تكون في ثواب المصيبة إذا أنت أصبت بها أرغب فيها لو أنها أبقيت لك قال أبو عيسى هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وأبو إدريس الخولاني اسمه عائذ الله بن عبد الله وعمرو بن واقد منكر الحديث
[ ص: 3 ] قوله : ( حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن ) هو الدارمي ( أخبرنا محمد بن المبارك ) الصوري نزيل دمشق القلانسي القرشي ثقة من كبار العاشرة ( أخبرنا عمرو بن واقد ) الدمشقي أبو حفص مولى قريش متروك من السادسة ( أخبرنا يونس بن حلبس ) هو ابن ميسرة قال في التقريب : يونس بن ميسرة بن حلبس بفتح المهملة والموحدة بينهما لام ساكنة وآخره مهملة وزن جعفر وقد ينسب لجده ثقة عابد معمر من الثالثة ، انتهى .

قوله : ( الزهادة في الدنيا ) بفتح الزاي أي ترك الرغبة فيها ( ليست بتحريم الحلال ) ما يفعله بعض الجهلة زعما منهم أن هذا من الكمال ، فيمتنع من أكل اللحم والحلواء والفواكه ولبس الثوب الجديد ومن التزوج ونحو ذلك وقد قال تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وقد ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- فعل هذه الأفعال ، ولا أكمل من حالة الكمال ( ولا إضاعة المال ) أي بتضييعه وصرفه في غير محله بأن يرميه في بحر أو يعطيه للناس من غير تمييز بين غني وفقير ( ولكن الزهادة ) أي المعتبرة الكاملة ( في الدنيا ) أي في شأنها ( أن لا تكون بما في يديك ) من الأموال أو من الصنائع والأعمال ( أوثق ) أي أرجى منك ( مما في يد الله ) وفي رواية ابن ماجه أوثق منك بما [ ص: 4 ] في يد الله أي بخزائنه الظاهرة والباطنة ، وفيه نوع من المشاكلة . والمعنى ليكن اعتمادك بوعد الله لك من إيصال الرزق إليك ، ومن إنعامه عليك من حيث لا تحتسب ، ومن وجه لا تكتسب ، أقوى وأشد مما في يديك من الجاه والكمال والعقار وأنواع الصنائع ، فإن ما في يديك يمكن تلفه وفناؤه بخلاف ما في خزائنه ، فإنه محقق بقاؤه كما قال تعالى : ما عندكم ينفد وما عند الله باق ( وأن تكون ) عطف على أن لا تكون ( إذا أنت أصبت بها ) بصيغة المجهول ( أرغب فيها ) أي في حصول المصيبة ( لو أنها ) أي لو فرض أن تلك المصيبة ( أبقيت لك ) أي منعت لأجلك وأخرت عنك فوضع " أبقيت " موضع " لم تصب " وجواب " لو " ما دل عليه ما قبلها . وخلاصته أن تكون رغبتك في وجود المصيبة لأجل ثوابها أكثر من رغبتك في عدمها ، فهذان الأمران شاهدان عدلان على زهدك في الدنيا وميلك في العقبى قاله القاري . وقال الطيبي : " لو أنها أبقيت لك " حال من فاعل " أرغب " وجواب " لو " محذوف و " إذا " ظرف . والمعنى أن تكون في حال المصيبة وقت إصابتها أرغب من نفسك في المصيبة حال كونك غير مصاب بها ; لأنك تثاب لوصولها إليك ويفوتك الثواب إذا لم تصل إليك .

قوله : ( هذا حديث غريب ) وأخرجه ابن ماجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية