صفحة جزء
باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

2365 حدثنا عمر بن إسمعيل بن مجالد بن سعيد حدثنا أبي عن بيان عن قيس بن أبي حازم قال سمعت سعد بن أبي وقاص يقول إني لأول رجل أهراق دما في سبيل الله وإني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله ولقد رأيتني أغزو في العصابة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ما نأكل إلا ورق الشجر والحبلة حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة أو البعير وأصبحت بنو أسد يعزروني في الدين لقد خبت إذا وضل عملي قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث بيان
قوله : ( حدثنا عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد ) الهمداني الكوفي نزيل بغداد متروك من صغار العاشرة ( أخبرنا أبي ) أي إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني أبو عمرو الكوفي نزيل بغداد ، صدوق يخطئ من الثامنة ( عن بيان ) هو ابن بشر ( عن قيس ) هو ابن أبي حازم .

[ ص: 26 ] قوله : ( إني لأول رجل أهراق دما ) أي أراقه . قال في المجمع أبدل الهمزة من الهاء ثم جمع بينهما ( وإني لأول رجل رمى بسهم في سبيل الله ) قال الحافظ : وفي رواية ابن سعد في الطبقات من وجه آخر عن سعد أن ذلك كان في السرية التي خرج فيها مع عبيدة بن الحارث في ستين راكبا وهي أول السرايا بعد الهجرة ( أغزو في العصابة ) بكسر العين : هم الجماعة من الناس من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها ( ما نأكل إلا ورق الشجر والحبلة ) بضم المهملة والموحدة وبسكون الموحدة أيضا . قال في النهاية : الحبلة ثمر السمر يشبه اللوبياء ، وقيل : هو ثمر العضاه ( حتى إن أحدنا ليضع كما تضع الشاة والبعير ) أراد أن نجوهم يخرج بعرا ليبسه من أكلهم ورق الشجر وعدم الغذاء المألوف ( وأصبحت بنو أسد ) أي ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر . قال الحافظ : وبنو أسد كانوا فيمن ارتد بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- وتبعوا طليحة بن خويلد الأسدي لما ادعى النبوة ، ثم قاتلهم خالد بن الوليد في عهد أبي بكر وكسرهم ، ورجع بقيتهم إلى الإسلام وتاب طليحة وحسن إسلامه ، وسكن معظمهم الكوفة بعد ذلك ، ثم كانوا ممن شكا سعد بن أبي وقاص وهو أمير الكوفة إلى عمر حتى عزله . وقالوا في جملة ما شكوه إنه لا يحسن الصلاة ، انتهى ( يعزروني في الدين ) وفي رواية البخاري : تعزرني على الإسلام . قال الحافظ : أي تؤدبني والمعنى تعلمني الصلاة أو تعيرني بأني لا أحسنها . قال أبو عبيد الهروي أي توقفني ، والتعزير التوقيف على الأحكام والفرائض . وقال الطبري : معناه تقومني وتعلمني ومنه تعزير السلطان وهو التقويم بالتأديب . والمعنى أن سعدا أنكر أهلية بني أسد ، لتعليمه الأحكام مع سابقيته وقدم صحبته . وقال الحربي : معنى تعزرني تلومني وتعتبني . وقيل : توبخني على التقصير ( لقد خبت إذن ) من الخيبة أي مع سابقتي في الإسلام إذا لم أحسن الصلاة وأفتقر إلى تعليمهم كنت خاسرا ( وضل عملي ) أي فيما مضى من صلاتي معه -صلى الله عليه وسلم- .

قال ابن الجوزي : إن قيل كيف ساغ لسعد أن يمدح نفسه ، ومن شأن المؤمن ترك ذلك لثبوت النهي عنه ؟ فالجواب أن ذلك ساغ له لما عيره الجهال بأنه لا يحسن الصلاة ، فاضطر إلى ذكر فضله ، [ ص: 27 ] والمدحة إذا خلت من البغي والاستطالة ، وكان مقصود قائلها إظهار الحق وشكر نعمة الله لم يكره ، كما لو قال القائل : إني لحافظ لكتاب الله عالم بتفسيره وبالفقه في الدين ، قاصدا إظهار الشكر أو تعريف ما عنده ليستفاد ، ولو لم يقل ذلك لم يعلم حاله ؛ ولهذا قال يوسف عليه السلام : إني حفيظ عليم وقال علي : سلوني عن كتاب الله : وقال ابن مسعود : لو أعلم أحدا أعلم بكتاب الله مني لأتيته . وساق في ذلك أخبارا وآثارا عن الصحابة والتابعين تؤيد ذلك .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح إلخ ) وأخرجه البخاري في المناقب ، وفي الأطعمة وفي الرقاق ، ومسلم في الزهد ، والنسائي في المناقب ، وفي الرقائق وابن ماجه في الفضائل .

اعلم أن الترمذي قد صحح هذا الحديث وفي سنده عمر بن إسماعيل بن مجالد وهو متروك ، فالظاهر أن تصحيحه له لمجيئه من طرق أخرى صحيحة ، ويحتمل أن يكون هو عنده صالحا للاحتجاج ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية