صفحة جزء
باب ما جاء فيمن يموت وهو يشهد أن لا إله إلا الله

2638 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن ابن عجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن محيريز عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت أنه قال دخلت عليه وهو في الموت فبكيت فقال مهلا لم تبكي فوالله لئن استشهدت لأشهدن لك ولئن شفعت لأشفعن لك ولئن استطعت لأنفعنك ثم قال والله ما من حديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلا حديثا واحدا وسوف أحدثكموه اليوم وقد أحيط بنفسي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وجابر وابن عمر وزيد بن خالد قال سمعت ابن أبي عمر يقول سمعت ابن عيينة يقول محمد بن عجلان كان ثقة مأمونا في الحديث قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه والصنابحي هو عبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله وقد روي عن الزهري أنه سئل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقال إنما كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنهي قال أبو عيسى ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عذبوا بالنار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار وقد روي عن عبد الله بن مسعود وأبي ذر وعمران بن حصين وجابر بن عبد الله وابن عباس وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سيخرج قوم من النار من أهل التوحيد ويدخلون الجنة هكذا روي عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وغير واحد من التابعين في تفسير هذه الآية ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين قالوا إذا أخرج أهل التوحيد من النار وأدخلوا الجنة ود الذين كفروا لو كانوا مسلمين
قوله : ( عن ابن محيريز ) اسمه عبد الله بن محيريز بضم ميم وفتح مهملة وسكون ياءين بينهما راء مكسورة وبزاي ابن جنادة بن وهب الجمحي المكي ، كان يتيما في حجر أبي محذورة بمكة ثم نزل بيت المقدس ثقة عابد من الثالثة .

قوله : ( عن الصنابحي عن عبادة بن الصامت أنه قال دخلت عليه ) قال النووي : هذا كثير يقع مثله وفيه صنعة حسنة وتقديره عن الصنابحي أنه حدث عن عبادة بحديث قال فيه دخلت عليه ( فقال مهلا ) بفتح الميم وسكون الهاء معناه أنظرني . قال الجوهري : يقال مهلا يا رجل بالسكون ، وكذلك للاثنين والجمع والمؤنث وهي موحدة بمعنى أمهل ( والله ما من حديث سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لكم فيه خير إلا حدثتكموه إلخ ) قال القاضي عياض : فيه دليل على أنه كتم ما خشي الضرر فيه والفتنة مما لا يحتمله عقل كل أحد وذلك فيما ليس تحته عمل ولا فيه [ ص: 328 ] حد من حدود الشريعة . قال : ومثل هذا عن الصحابة كثير في ترك الحديث بما ليس تحته عمل ولا تدعو إليه ضرورة ، أو لا يحتمله عقول العامة ، أو خشيت مضرته على قائله أو سامعه ، لا سيما ما يتعلق بأخبار المنافقين والإمارة ، وتعيين قوم وصفوا بأوصاف غير مستحسنة ، وذم آخرين ولعنهم ، انتهى . ( وقد أحيط بنفسي ) معناه قربت من الموت وأيست من النجاة والحياة . قال صاحب التحرير : أصل الكلمة في الرجل يجتمع عليه أعداؤه فيقصدونه ويأخذون عليه جميع الجوانب بحيث لا يبق له في الخلاص مطمع ، فيقال أحاطوا به أي أطاقوا به من جوانبه ، ومقصوده : قرب موتي ( حرم الله عليه النار ) أي الخلود فيها كالكفار .

قوله : ( وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان إلخ ) أما حديث عمر وحديث طلحة فأخرجهما أبو نعيم في الحلية ، وأما حديث عثمان فأخرجه مسلم ، وأما حديث جابر وحديث ابن عمر فأخرجهما الدارقطني في العلل ، وأما أحاديث أبي بكر وعلي وزيد بن خالد فلينظر من أخرجها .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح غريب ) وأخرجه مسلم .

قوله : ( فقال إنما كان هذا في أول الإسلام قبل نزول الفرائض والأمر والنهي ) قال القاضي عياض : حكي عن جماعة من السلف منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي . وقال بعضهم : هي مجملة يحتاج إلى شرح ومعناه من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها ، وهذا قول الحسن البصري . وقيل إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة . ومات على ذلك ، وهذا قول البخاري . ذكر النووي كلام القاضي هذا في شرح مسلم ثم قال ، وما حكاه عن ابن المسيب وغيره ضعيف بل باطل وذلك ؛ لأن راوي أحد هذه الأحاديث أبو هريرة وهو [ ص: 329 ] متأخر الإسلام أسلم عام خيبر سنة سبع بالاتفاق وكانت أحكام الشريعة مستقرة ، وأكثر هذه الواجبات كانت فروضها مستقرة وكانت الصلاة والزكاة والصيام وغيرها من الأحكام قد تقرر فرضها وكذا الحج على قول من قال فرض سنة خمس أو ست وهما أرجح من قول من قال سنة تسع ( ووجه هذا الحديث عند بعض أهل العلم أن أهل التوحيد سيدخلون الجنة وإن عذبوا في النار بذنوبهم فإنهم لا يخلدون في النار ) قال النووي : اعلم أن مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من السلف والخلف أن من مات موحدا دخل الجنة قطعا على كل حال ، فإن كان سالما من المعاصي كالصغير والمجنون الذي اتصل جنونه بالبلوغ ، والتائب توبة صحيحة من الشرك أو غيره من المعاصي إذا لم يحدث معصية بعد توبته ، والموفق الذي لم يبتل بمعصية أصلا فكل هذا الصنف يدخلون الجنة ولا يدخلون النار أصلا ، لكنهم يردونها على الخلاف المعروف في الورود .

والصحيح أن المراد به المرور على الصراط وهو منصوب على ظهر جهنم عافانا الله منها ومن سائر المكروه ، وأما من كانت له معصية كبيرة ومات من غير توبة فهو في مشيئة الله تعالى فإن شاء عفا عنه وأدخله الجنة أولا وجعله كالقسم الأول وإن شاء عذبه بالقدر الذي يريده سبحانه ثم يدخله الجنة فلا يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما عمل . كما أنه لا يدخل الجنة أحد مات على الكفر ولو عمل من أعمال البر ما عمل ، هذا مختصر جامع لمذهب أهل الحق في هذه المسألة . وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به على هذه القاعدة وتواترت بذلك نصوص تحصل العلم القطعي ، فإذا تقررت هذه القاعدة حمل عليها جميع ما ورد من أحاديث الباب وغيره ، فإذا ورد حديث في ظاهره مخالفة لها وجب تأويله عليه ليجمع بين نصوص الشرع ، انتهى .

( عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : سيخرج قوم من النار من أهل التوحيد ويدخلون الجنة ) ذكر الترمذي هذا الحديث لتأييد قول بعض أهل العلم في تفسير قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) ( وهكذا روي عن سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي إلخ ) روى الحافظ ابن جرير في تفسيره بعض هذه الآثار بأسانيده .

التالي السابق


الخدمات العلمية