صفحة جزء
باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق

27 حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا حماد بن زيد وجرير عن منصور عن هلال بن يساف عن سلمة بن قيس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأت فانتثر وإذا استجمرت فأوتر قال وفي الباب عن عثمان ولقيط بن صبرة وابن عباس والمقدام بن معدي كرب ووائل بن حجر وأبي هريرة قال أبو عيسى حديث سلمة بن قيس حديث حسن صحيح واختلف أهل العلم فيمن ترك المضمضة والاستنشاق فقالت طائفة منهم إذا تركهما في الوضوء حتى صلى أعاد الصلاة ورأوا ذلك في الوضوء والجنابة سواء وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحق وقال أحمد الاستنشاق أوكد من المضمضة قال أبو عيسى وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد في الوضوء وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة وقالت طائفة لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة لأنهما سنة من النبي صلى الله عليه وسلم فلا تجب الإعادة على من تركهما في الوضوء ولا في الجنابة وهو قول مالك والشافعي في آخرة
[ ص: 97 ] ( باب ما جاء في المضمضة والاستنشاق ) أصل المضمضة في اللغة التحريك ، ومنه مضمض النعاس في عينيه إذا تحركتا بالنعاس ثم اشتهر استعماله في وضع الماء في الفم وتحريكه ، وأما معناه في الوضوء الشرعي فأكمله أن يضع الماء في الفم ثم يديره ثم يمجه . كذا في الفتح . والاستنشاق هو إدخال الماء في الأنف .

قوله : ( وجرير ) هو ابن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها ، ثقة صحيح الكتاب قيل كان في آخر عمره يهم من حفظه مات سنة 188 ثمان وثمانين ومائة وهو من رجال الكتب الستة .

( عن منصور ) ابن المعتمر بن عبد الله السلمي الكوفي ، ثقة ثبت وكان لا يدلس ، من طبقة الأعمش مات سنة 132 اثنتين وثلاثين ومائة ، وهو من رجال الكتب الستة أيضا .

( عن هلال بن يسار ) قال في التقريب بكسر التحتية وكذا في القاموس ، وقال الخزرجي بفتح التحتية الأشجعي مولاهم ثقة من أوساط التابعين ( عن سلمة بن قيس ) الأشجعي صحابي سكن الكوفة .

قوله : " إذا توضأت فانتثر " قال في القاموس استنثر استنشق الماء ثم استخرج بنفس الأنف كانتثر . انتهى ، وقال الحافظ : الاستنثار هو طرح الماء الذي يستنشقه المتوضئ ، أي يجذبه بريح أنفه لتنظيف ما في داخله فيخرجه بريح أنفه سواء كان بإعانة يده أم لا ، وحكي عن مالك كراهية فعله بغير إعانة اليد ، لكونه يشبه فعل الدابة ، والمشهور عدم الكراهة ، وإذا استنثر بيده فالمستحب أن يكون باليسرى . بوب عليه النسائي وأخرجه مقيدا بها من حديث علي . انتهى .

( وإذا استجمرت ) أي إذا استعملت الجمار ، وهي الحجارة الصغار في الاستنجاء ( فأوتر ) أي ثلاثا أو خمسا ووقع في رواية أبي هريرة " من استجمر فليوتر ، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه . قال الحافظ في الفتح : وهذه الزيادة حسنة الإسناد ، وأخذ بهذه الرواية أبو حنيفة ومالك فقالوا : لا يعتبر العدد بل المعتبر الإيتار ، وأخذ الشافعي وأحمد وأصحاب [ ص: 98 ] الحديث بحديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يستنج أحدكم بأقل من ثلاثة أحجار رواه مسلم ، فاشترطوا أن لا ينقص من الثلاث مع مراعاة الإنقاء وإذا لم يحصل بها فيزاد حتى ينقى ، ويستحب حينئذ الإيتار لقوله " من استجمر فليوتر " وليس بواجب لقوله " ، من لا فلا حرج " وبهذا يحصل الجمع بين الروايات في هذا الباب . انتهى .

قوله : ( وفي الباب عن عثمان ولقيط بن صبرة وابن عباس والمقدام بن معد يكرب ووائل بن حجر ) أما حديث عثمان فأخرجه الشيخان ، وأما حديث لقيط بن صبرة فأخرجه أحمد وأهل السنن الأربع والشافعي وابن الجارود وابن خزيمة وابن حبان والحاكم والبيهقي ، وفيه " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما " وفي رواية من هذا الحديث " إذا توضأت فمضمض " أخرجها أبو داود وغيره . قال الحافظ في الفتح : إن إسنادها صحيح ، وقد رد الحافظ في التلخيص ما أعل به حديث لقيط بن صبرة من أنه لم يرو عن عاصم بن لقيط بن صبرة إلا إسماعيل بن كثير وقال ليس بشيء لأنه روى عنه غيره . وصححه الترمذي والبغوي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة ، وقال النووي : هو حديث صحيح رواه أبو داود والترمذي وغيرهما بالأسانيد الصحيحة . وأما حديث ابن عباس فأخرجه أبو داود وابن ماجه وابن الجارود والحاكم وصححه ابن القطان ولفظه " استنثروا مرتين بالغتين أو ثلاثا " كذا في التلخيص ، وأما حديث المقدام بن معد يكرب فأخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري ، وأما حديث وائل بن حجر فأخرجه الطبراني في الكبير والبزار وفيه سعيد بن عبد الجبار ، قال النسائي ليس بالقوي وذكره ابن حبان في الثقات ، وفي مسند البزار والطبراني محمد بن حجر وهو ضعيف كذا في مجمع الزوائد ص 94 ج 1 وفي الباب أحاديث أخرى منها حديث أبي هريرة " إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر " أخرجه الشيخان .

قوله : ( حديث سلمة بن قيس حديث حسن صحيح ) وأخرجه النسائي .

قوله : ( فقالت طائفة منهم إذا تركهما في الوضوء حتى صلى أعاد ورأوا ذلك في [ ص: 99 ] الوضوء والجنابة سواء وبه يقول ابن أبي ليلى وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق ) . واستدلوا بأحاديث الباب ، وقولهم هو الراجح لثبوت الأمر بهما ، والأصل في الأمر الوجوب ، مع ثبوت مواظبته صلى الله عليه وسلم عليهما .

( وقال أحمد الاستنشاق أوكد من المضمضة ) لما ورد في حديث لقيط بن صبرة : وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما .

( وقالت طائفة من أهل العلم يعيد في الجنابة ولا يعيد في الوضوء وهو قول سفيان الثوري وبعض أهل الكوفة ) وهو قول أبي حنيفة ومن تبعه ، فعند هؤلاء المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء وواجبان في غسل الجنابة ، واستدلوا على عدم الوجوب في الوضوء بحديث " عشر من سنن المرسلين " ، وقد رده الحافظ في التلخيص وقال : إنه لم يرد بلفظ " عشر من السنن " بل بلفظ " من الفطرة " ، ولو ورد لم ينتهض دليلا على عدم الوجوب لأن المراد به السنة أي الطريقة لا السنة بالمعنى الأصولي ، واستدلوا أيضا بحديث ابن عباس مرفوعا بلفظ المضمضة والاستنشاق سنة رواه الدارقطني ، قال الحافظ وهو حديث ضعيف ، واستدلوا أيضا بما رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم من قوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي توضأ كما أمرك الله فأحاله على الآية وليس فيها ذكر المضمضة والاستنشاق والاستنثار ، ورد بأن الأمر بغسل الوجه أمر بها وبأن وجوبها ثبت بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر منه أمر من الله تعالى بدليل وما آتاكم الرسول فخذوه .

قوله : ( وقالت طائفة لا يعيد في الوضوء ولا في الجنابة إلخ ) ليس لهذه الطائفة دليل صحيح وقد اعترف جماعة من الشافعية وغيرهم بضعف دليل من قال بعدم وجوب المضمضة والاستنشاق والاستنثار قاله في النيل والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية