صفحة جزء
باب ما جاء في مثل المؤمن القارئ للقرآن وغير القارئ

2865 حدثنا قتيبة حدثنا أبو عوانة عن قتادة عن أنس عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترنجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ريحها مر وطعمها مر قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وقد رواه شعبة عن قتادة أيضا
[ ص: 133 ] قوله : ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن ) عبر بالمضارع لإفادة تكريره لها ومداومته عليها حتى صارت دأبه وعادته ، كفلان يقري الضيف ، ويحمي الحريم ويعطي ، وفي رواية " يقرأ القرآن ويعمل به " ( كمثل الأترنجة ) بضم الهمزة وسكون الفوقانية وضم الراء وسكون النون وبتخفيف الجيم وفيه لغات قال في القاموس : الأترج والأترجة والترنجة والترنج معروف وهي أحسن الثمار الشجرية وأنفسها عند العرب . انتهى . ووجه التشبيه بالأترنجة لأنها أفضل ما يوجد من الثمار في سائر البلدان وأجدى لأسباب كثيرة جامعة للصفات المطلوبة منها والخواص الموجودة فيها فمن ذلك كبر جرمها وحسن منظرها وطيب مطعمها ولين ملمسها تأخذ الأبصار صبغة ولونا ، فاقع لونها تسر الناظرين ، تتوق إليها النفس قبل التناول تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذوقها ، طيب نكهة ودباغ معدة ، وهضما واشتراك الحواس الأربع : البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها ( ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن ) أي " ويعمل به " كما في رواية شعبة عن قتادة عند البخاري ، قال الطيبي : التمثيل في الحقيقة وصف لموصوف اشتمل على معنى معقول صرف لا يبرزه عن سكونه إلا تصويره بالمحسوس المشاهد ، ثم إن كلام الله تعالى له تأثير في باطن العبد وظاهره وإن العباد متفاوتون في ذلك فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير وهو المؤمن القارئ ، ومنهم من لا نصيب له ألبتة وهو المنافق الحقيقي ، ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي أو بالعكس وهو المؤمن الذي لا يقرؤه ، وإبراز هذه المعاني وتصويرها إلى المحسوسات ما هو مذكور في الحديث ولم يوجد ما يوافقها ويلائمها أقرب ولا أحسن ولا أجمع من ذلك لأن المشبهات والمشبه بها واردة على تقسيم الحاصل لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن ، والثاني إما منافق صرف أو ملحق به ، والأول إما مواظب على القراءة أو غير مواظب عليها وعلى هذا فقس الأثمار المشبه بها ، ووجه الشبه في المذكورات منتزع من أمرين محسوسين : طعم وريح ، وليس بمفرق كما في قول امرئ القيس :


كأن قلوب الطير رطبا ويابسا لدى وكرها العناب والحشف البالي

[ ص: 134 ] ( كمثل الريحانة ) هي كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم ( كمثل الحنظلة ) الحنظل نبات يمتد على الأرض كالبطيخ وثمره يشبه ثمر البطيخ لكنه أصغر منه جدا ويضرب المثل بمرارته ( ريحها مر وطعمهما مر ) وفي رواية البخاري كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها قال العيني : قيل الذي عند البخاري أحسن لأن الريح لا طعم له إذ المرارة عرض والريح عرض والعرض لا يقوم بالعرض ، ووجه هذا بأن ريحها لما كان كريها استعير للكراهة لفظ المرارة لما بينهما من الكراهة المشتركة . انتهى .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) أخرجه الجماعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية