صفحة جزء
2945 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا أبو أسامة حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نفس عن أخيه كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة وما قعد قوم في مسجد يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة ومن أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه قال أبو عيسى هكذا روى غير واحد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا الحديث وروى أسباط بن محمد عن الأعمش قال حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر بعض هذا الحديث
قوله : ( من نفس ) من التنفيس ( عن أخيه كربة من كرب الدنيا ) أي أزالها وفرجها . قال الطيبي : كأنه فتح مداخل الأنفاس فهو مأخوذ من قولهم أنت في نفس أي سعة ، كأن من كان في كربة [ ص: 215 ] سد عنه مداخل الأنفاس فإذا فرج عنه فتحت ، والمراد من أخيه أخوه في الإيمان ، وفي رواية مسلم : من نفس عن مؤمن نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة لما كان الخلق كلهم عيال الله وتنفيس الكرب إحسان فجزاه الله جزاء وفاقا لقوله تعالى هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ( ومن ستر مسلما ) أي في قبيح يفعله فلا يفضحه أو كساه ثوبا ( ستره الله ) أي عيوبه أو عورته . قال النووي في شرح قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة ) . رواه مسلم في حديث ابن عمر . وأما الستر المندوب إليه هذا فالمراد به الستر على ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس هو معروفا بالأذى والفساد ، فأما المعروف بذلك فيستحب أن لا يستر عليه بل يرفع قضيته إلى ولي الأمر إن لم يخف من ذلك مفسدة ; لأن الستر على هذا يطمعه في الإيذاء والفساد وانتهاك الحرمات وجسارة غيره على مثل فعله ، هذا كله في ستر معصية وقعت وانقضت أما معصية رآه عليها وهو بعد متلبس بها فتجب المبادرة بإنكارها عليه ومنعه منها على من قدر على ذلك ولا يحل تأخيرها فإن عجز لزم رفعها إلى ولي الأمر إذا لم تترتب على ذلك مفسدة . انتهى .

( ومن يسر على معسر ) أي سهل على فقير وهو يشمل المؤمن والكافر أي من كان له دين على فقير فسهل عليه بإمهال أو بترك بعضه أو كله ( يسر الله عليه ) بدل تيسيره على عبده مجازاة بجنسه ( والله في عون العبد ) الواو للاستئناف وهو تذييل للكلام السابق ( ما كان العبد ) أي ما دام كان ( في عون أخيه ) أي في قضاء حاجته ( ومن سلك ) أي دخل أو مشى ( طريقا ) أي قريبا أو بعيدا قيل التنوين للتعميم إذ النكرة في الإثبات قد تفيد العموم ( يلتمس فيه ) حال أو صفة ( علما ) نكرة ليشمل كل نوع من أنواع علوم الدين قليلة أو كثيرة ( سهل الله له ) زاد في رواية مسلم : " به " . أي بذلك السلوك أو الالتماس ( طريقا إلى الجنة ) أي طريقا موصلا إلى الجنة مع قطع العقبات الشاقة دونها يوم القيامة ( وما قعد قوم في مسجد ) وفي رواية مسلم : في بيت من بيوت الله ( يتلون ) حال من " قوم " ( كتاب الله ) أي القرآن ( ويتدارسونه بينهم ) التدارس قراءة بعضهم على بعض تصحيحا لألفاظه أو كشفا لمعانيه قاله ابن الملك . وقال الجزري في النهاية : تدارسوا القرآن أي اقرءوه وتعهدوه لئلا تنسوه يقال درس يدرس دراسة وأصل الدراسة الرياضة والتعهد للشيء . انتهى . وقال القاري في المرقاة : ويمكن أن يكون المراد بالتدارس المدارسة المعروفة بأن يقرأ بعضهم عشرا مثلا وبعضهم عشرا آخر وهكذا فيكون أخص من [ ص: 216 ] التلاوة أو مقابلا لها والأظهر أنه شامل لجميع ما يناط بالقرآن من التعليم والتعلم . انتهى ( إلا نزلت عليهم السكينة ) يجوز في مثل هذا التركيب كسر الهاء وضم الميم وهو الأكثر وضمهما وكسرهما قيل المراد بالسكينة ههنا الرحمة وهو الذي اختاره القاضي عياض وهو ضعيف لعطف الرحمة عليه ، وقيل الطمأنينة والوقار وهو أحسن . قاله النووي ( وحفتهم الملائكة ) أي أحاطوا بهم ، وزاد في رواية مسلم " وذكرهم الله فيمن عنده " ( ومن أبطأ به عمله ) من الإبطاء وفي رواية مسلم : " من بطأ به عمله " من التبطئة وهما ضد التعجل والبطء نقيض السرعة والباء للتعدية والمعنى من أخره عمله عن بلوغ درجة السعادة ( لم يسرع به نسبه " من الإسراع أي لم يقدمه نسبه ، يعني لم يجبر نقيصته لكونه نسيبا في قومه إذ لا يحصل التقرب إلى الله تعالى بالنسب بل بالأعمال الصالحة .

قال تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم ، وشاهد ذلك أن أكثر علماء السلف والخلف لا أنساب لهم يتفاخر بها ، بل كثير من علماء السلف موال ، ومع ذلك هم سادات الأمة وينابيع الرحمة ، وذوو الأنساب العلية الذين ليسوا كذلك في مواطن جهلهم نسيا منسيا ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : " إن الله يرفع بهذا الدين أقواما ويضع به آخرين " كذا قال القاري في المرقاة وقد صدق القاري .

قال ابن الصلاح في مقدمته روينا عن الزهري قال : قدمت على عبد الملك بن مروان فقال : من أين قدمت يا زهري ؟ قلت من مكة . قال فمن خلفت بها يسود أهلها ؟ قلت : عطاء بن أبي رباح ، قال : فمن العرب أم من الموالي ؟ قال قلت من الموالي ؟ قلت : من الموالي ، قال وبم سادهم ؟ قلت بالديانة والرواية . قال إن أهل الديانة والرواية لينبغي أن يسودوا . قال فمن يسود أهل اليمن ؟ قال قلت : طاوس بن كيسان ، قال فمن العرب أم من الموالي ؟ قال قلت من الموالي ، قال وبم سادهم ؟ قلت بما سادهم به عطاء ، قال إنه لينبغي . قال فمن يسود أهل مصر ؟ قال قلت يزيد بن أبي حبيب ، قال فمن العرب أم من الموالي ؟ قال قلت : من الموالي ، قال فمن يسود أهل الشام ؟ قال قلت مكحول ، قال فمن العرب أم من الموالي ؟ قال قلت من الموالي عبد نوبي أعتقته امرأة من هذيل ؟ قال فمن يسود أهل الجزيرة ؟ قلت ميمون بن مهران ، قال فمن العرب أم من الموالي ؟ قال قلت من الموالي . قال فمن يسود أهل خراسان ؟ قال قلت الضحاك بن مزاحم ، قال فمن العرب أم الموالي ؟ قال قلت من الموالي . قال فمن يسود أهل البصرة ؟ قال قلت الحسن بن أبي الحسن ، قال فمن العرب أم من الموالي ؟ قال قلت من الموالي . قال فمن يسود أهل [ ص: 217 ] الكوفة ؟ قال قلت : إبراهيم النخعي ، قال فمن العرب أم الموالي ؟ قال قلت من العرب . قال : ويلك يا زهري فرجت عني ، والله ليسودن الموالي على العرب حتى يخطب لها على المنابر والعرب تحتها . قال : قلت : يا أمير المؤمنين إذا هو أمر الله ودينه ، من حفظه ساده ومن ضيعه سقط . انتهى .

قوله : ( هكذا روى غير واحد عن الأعمش عن أبي صالح إلخ ) أي متصلا ( وروى أسباط بن محمد عن الأعمش قال حدثت ) بصيغة المجهول من التحديث ( عن أبي صالح إلخ ) ففي رواية أسباط هذه انقطاع بين الأعمش وأبي صالح ، فإن الأعمش لم يذكر في حديثه عن أبي صالح ، وحديثه عن أبي هريرة المذكور أخرجه الترمذي مختصرا في أبواب الحدود ، وفي أبواب البر والصلة ، وفي أبواب العلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية