صفحة جزء
2958 حدثنا عبد بن حميد أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان قال سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عمر قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته تطوعا أينما توجهت به وهو جاء من مكة إلى المدينة ثم قرأ ابن عمر هذه الآية ولله المشرق والمغرب الآية فقال ابن عمر ففي هذا أنزلت هذه الآية قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ويروى عن قتادة أنه قال في هذه الآية ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله قال قتادة هي منسوخة نسخها قوله فول وجهك شطر المسجد الحرام أي تلقاءه حدثنا بذلك محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة ويروى عن مجاهد في هذه الآية فأينما تولوا فثم وجه الله قال فثم قبلة الله حدثنا بذلك أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا وكيع عن النضر بن عربي عن مجاهد بهذا
قوله : ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصلي على راحلته تطوعا حيثما توجهت به ) فيه دليل على جواز التطوع على الراحلة للمسافر قبل جهة مقصده لكن لا بد من الاستقبال حال تكبيرة الإحرام ثم لا يضره الخروج بعد ذلك عن سمت القبلة ، وهو إجماع كما قال النووي والحافظ والعراقي وغيرهم ، وقد تقدم الكلام في هذه المسألة في باب الصلاة على الدابة حيث ما توجهت به ( وقال ابن عمر في هذا أنزلت هذه الآية ) ذهب إلى هذا بعض أهل العلم وقالوا إن الآية نزلت في المسافر يصلي النوافل حيث تتوجه به راحلته ، فمعنى الآية : فأينما تولوا وجوهكم لنوافلكم في أسفاركم فثم وجه الله . أي فقد صادفتم المطلوب إن الله واسع الفضل غني ، فمن سعة فضله وغناه رخص لكم في ذلك لأنه لو كلفكم استقبال القبلة في مثل هذه الحال لزم أحد الضررين : إما ترك النوافل ، وإما النزول عن الراحلة والتخلف عن الرفقة بخلاف الفرائض فإنها صلوات معدودة محصورة ، فتكليف النزول عن الراحلة عند أدائها واستقبال القبلة فيها لا يفضي إلى الحرج ، بخلاف النوافل فإنها غير محصورة ، فتكليف الاستقبال يفضي إلى الحرج .

[ ص: 236 ] وقال بعض أهل العلم : إن هذه الآية نزلت في قوم عميت عليهم القبلة فلم يعرفوا شطرها فصلوا على أنحاء مختلفة ، فقال الله تعالى : برب المشارق والمغارب فأين وليتم وجوهكم فهنالك وجهي وهو قبلتكم ، فيعلمكم بذلك أن صلاتكم ماضية . وقد استدلوا على ذلك بحديث عامر بن ربيعة المذكور ، وهو حديث ضعيف ، لكن قال الشوكاني في النيل : وهذا الحديث وإن كان فيه مقال عند المحدثين ولكن له شواهد تقويه فذكرها وقال بعد ذكرها : وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها . انتهى . وقال الحافظ ابن كثير في تفسيره : وهذه الأسانيد فيها ضعف ولعله يشد بعضها بعضا . انتهى .

وقال آخرون : بل أنزل هذه الآية قبل أن يفرض التوجه إلى الكعبة ، وإنما أنزلها ليعلم نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب ; لأنهم لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية إلا كان جل ثناؤه في ذلك الوجه وتلك الناحية ; لأن له تعالى المشارق والمغارب ، وأنه لا يخلو منه مكان ، كما قال تعالى : ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا قالوا : ثم نسخ ذلك بالفرض الذي فرض التوجه إلى المسجد الحرام ، قاله ابن جرير . قال ابن كثير : وفي قوله " وأنه تعالى لا يخلو منه مكان " إن أراد علمه تعالى فصحيح ، فإن علمه تعالى محيط بجميع المعلومات ، وأما ذاته تعالى فلا تكون محصورة في شيء من خلقه ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . انتهى . وقد قال بهذا القول قتادة رحمه الله ، كما ذكره الترمذي بقوله : ويروى عن قتادة أنه قال إلخ . وفي سبب نزول هذه الآية أقوال أخرى ذكرها الرازي في تفسيره .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان وغيرهما .

قوله : ( حدثنا يزيد بن زريع ) بتقديم الزاي مصغرا ، البصري أبو معاوية ثقة ثبت من الثامنة ( عن سعيد ) هو ابن أبي عروبة .

قوله : ( ويروى عن مجاهد في هذه الآية : فأينما تولوا فثم وجه الله قال : فثم قبلة الله ) قال الحافظ [ ص: 237 ] ابن كثير في تفسيره : قال مجاهد : فأينما تولوا فثم وجه الله حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها : الكعبة . انتهى . والظاهر أن قول مجاهد هذا بيان لقوله الذي ذكره الترمذي .

( عن النضر بن عربي ) الباهلي مولاهم أبي روح ، ويقال أبو عمر الحراني لا بأس به من السادسة .

التالي السابق


الخدمات العلمية