صفحة جزء
3028 حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن عدي بن ثابت قال سمعت عبد الله بن يزيد يحدث عن زيد بن ثابت في هذه الآية فما لكم في المنافقين فئتين قال رجع ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد فكان الناس فيهم فريقين فريق يقول اقتلهم وفريق يقول لا فنزلت هذه الآية فما لكم في المنافقين فئتين وقال إنها طيبة وقال إنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الحديد قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وعبد الله بن يزيد هو الأنصاري الخطمي وله صحبة
قوله : ( قال سمعت عبد الله بن يزيد ) الخطمي ، صحابي صغير .

قوله : ( رجع ناس من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم أحد ) يعني عبد الله بن أبي وأصحابه ، وقد ورد ذلك صريحا في رواية موسى بن عقبة في المغازي وأن عبد الله بن أبي كان وافق رأيه رأي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الإقامة بالمدينة فلما أشار غيره بالخروج وأجابهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخرج ، قال عبد الله بن أبي لأصحابه : أطاعهم وعصاني علام نقتل أنفسنا؟ فرجع بثلث الناس . قال ابن إسحاق في روايته فأتبعهم عبد الله بن عمرو بن حرام وهو والد جابر وكان خزرجيا كعبد الله بن أبي فناشدهم أن يرجعوا فأبوا ، فقال أبعدكم الله ( فكان الناس فيهم ) أي في الحكم في من انصرف مع عبد الله بن أبي ( فنزلت هذه الآية إلخ ) هذا هو الصحيح في سبب نزولها .

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق زيد بن أسلم عن أبي سعيد بن معاذ قال : نزلت هذه الآية في الأنصار خطب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : " من لي بمن يؤذيني " ، فذكر منازعة سعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسيد بن حضير ومحمد بن مسلمة فأنزل الله هذه الآية .

وفي سبب نزولها قول آخر أخرجه أحمد من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه أن قوما أتوا المدينة فأسلموا فأصابهم الوباء فرجعوا فاستقبلهم ناس من الصحابة فأخبروهم ، فقال بعضهم : نافقوا ، وقال بعضهم : لا ، فنزلت .

[ ص: 304 ] وأخرجه ابن أبي حاتم من وجه آخر عن أبي سلمة مرسلا ، فإن كان محفوظا احتمل أن تكون نزلت في الأمرين جميعا كذا في الفتح قال الحافظ ابن جرير بعد ذكر عدة أقوال في سبب نزول هذه الآية ما لفظه : وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : نزلت هذه الآية في اختلاف أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قوم كانوا ارتدوا عن الإسلام بعد إسلامهم من أهل مكة ، وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب لأن اختلاف أهل التأويل في ذلك إنما هو على أحد قولين : أحدهما : أنهم قوم كانوا من أهل مكة على ما قد ذكرنا الرواية عنهم ، والآخر : أنهم قوم كانوا من أهل المدينة . وفي قول الله تعالى ذكره فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا أوضح الدليل على أنهم كانوا من غير أهل المدينة ; لأن الهجرة كانت على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى داره ومدينته من سائر أرض الكفر ، فأما من كان بالمدينة في دار الهجرة مقيما من المنافقين وأهل الشرك فلم يكن عليه فرض هجرة لأنه في دار الهجرة كان وطنه ومقامه . انتهى ( إنها ) أي المدينة ( طيبة ) هذا أحد أسماء المدينة ، ويقال لها طابة أيضا . روى مسلم من حديث جابر بن سمرة مرفوعا : إن الله سمى المدينة طابة ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن سماك بلفظ كانوا يسمون المدينة يثرب فسماها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ طابة . وأخرجه أبو عوانة والطاب والطيب لغتان بمعنى واشتقاقهما من الشيء الطيب ( إنها تنفي الخبث ) بفتح الخاء المعجمة والموحدة بعدها مثلثة أي الوسخ ( كما تنفي النار خبث الحديد ) أي وسخه الذي تخرجه النار .

والمراد أنها لا تترك فيها من في قلبه دغل ، بل تميزه عن القلوب الصادقة ، وتخرجه كما يميز الحداد رديء الحديد من جيده .

قال الخازن : معنى الآية : فما لكم يا معشر المؤمنين في المنافقين فئتين أي صرتم في أمرهم فرقتين ، فرقة تذب عنهم وفرقة تباينهم وتعاديهم ، فنهى الله الفرقة الذين يذبون عنهم وأمر المؤمنين جميعا أن يكونوا على منهاج واحد في التباين لهم والتبرؤ منهم ، والله أركسهم : يعني نكسهم في [ ص: 305 ] كفرهم وارتدادهم وردهم إلى أحكام الكفار بما كسبوا : أي بسبب ما اكتسبوا من أعمالهم الخبيثة ، وقيل بما أظهروا من الارتداد بعدما كانوا على النفاق .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .

التالي السابق


الخدمات العلمية