صفحة جزء
3133 حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن عقيل عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما كذبتني قريش قمت في الحجر فجلى الله لي بيت المقدس فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن مالك بن صعصعة وأبي سعيد وابن عباس وأبي ذر وابن مسعود
( لما كذبتني قريش ) أي نسبوني إلى الكذب فيما ذكرت من قضية الإسراء وطلبوا مني علامات بيت المقدس ( قمت في الحجر ) بالكسر : اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الشمالي ( فجلى الله لي بيت المقدس ) بتشديد اللام من التجلية : أي أظهره لي قال الحافظ : قيل معناه كشف الحجب بيني وبينه حتى رأيته ، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل عن أم سلمة عند مسلم قال : فسألوني عن أشياء لم أثبتها ، فكربت كربا لم أكرب مثله قط ، فرفع الله لي بيت المقدس أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا نبأتهم به . ويحتمل أنه حمل إلى أن وضع بحيث يراه ثم أعيد .

وفي حديث ابن عباس عند أحمد والبزار بإسناد حسن : فجيء بالمسجد وأنا أنظر إليه حتى وضع عند دار عقيل ، فنعته وأنا أنظر إليه ، وهذا أبلغ في المعجزة ولا استحالة فيه ، فقد أحضر [ ص: 450 ] عرش بلقيس في طرفة عين لسليمان وهو يقتضي أنه أزيل من مكانه حتى أحضر إليه وما ذاك في قدرة الله بعزيز . انتهى ( فطفقت ) ؟ بكسر الفاء قبل القاف : أي فشرعت ( أخبرهم عن آياته ) أي علامات بيت المقدس ودلالاته ( وأنا أنظر إليه ) جملة حالية .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .

قوله : ( وفي الباب عن مالك بن صعصعة وأبي سعيد وابن عباس وأبي ذر وابن مسعود ) أما حديث مالك بن صعصعة فأخرجه الترمذي في تفسير سورة ألم نشرح مختصرا ، وأخرجه الشيخان مطولا . وأما حديث أبي سعيد فأخرجه البيهقي وابن جرير وابن أبي حاتم وأما حديث ابن عباس فأخرجه أحمد والنسائي والبيهقي والبزار . وأما حديث أبي فأخرجه الشيخان . وأما حديث ابن مسعود فأخرجه مسلم .

تنبيه : اعلم أن الترمذي ذكر هذه الأحاديث في تفسير قوله تعالى : سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير وقد اختلف أهل العلم هل كان الإسراء بجسده صلى الله عليه وسلم مع روحه أو بروحه فقط ، فذهب معظم السلف والخلف إلى الأول ، وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم ، منهم : عائشة ومعاوية والحسن وابن إسحاق . وحكاه ابن جرير عن حذيفة بن اليمان ، وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالوا : كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس ، وإلى السماء بالروح ، واستدلوا على هذا التفصيل بقوله : إلى المسجد الأقصى فجعله غاية للإسراء بذاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلو كان الإسراء من بيت المقدس إلى السماء وقع بذاته لذكره ، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة ، هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من الإسراء بجسده وروحه يقظة إلى بيت المقدس ، ثم السماوات وهو الحق ، والصواب لا يجوز العدول عنه ولا حاجة إلى التأويل وصرف هذا النظم القرآني وما يماثله من ألفاظ الأحاديث إلى ما يخالف الحقيقة ، ولا مقتضى لذلك إلا مجرد الاستبعاد وتحكيم محض العقول القاصرة عن فهم ما هو معلوم من أنه لا يستحيل عليه سبحانه شيء . ولو كان ذلك مجرد رؤيا كما يقوله من زعم أن الإسراء كان بالروح فقط وأن رؤيا الأنبياء حق لم يقع التكذيب من الكفرة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند إخباره لهم بذلك حتى ارتد من ارتد ممن لم يشرح بالإيمان صدرا ، فإن الإنسان قد يرى في نومه ما هو مستبعد بل ما هو محال ولا ينكر ذلك أحد ، والكلام في هذه المسألة مبسوط في المطولات .

التالي السابق


الخدمات العلمية