صفحة جزء
3139 حدثنا أحمد بن منيع حدثنا جرير عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ثم أمر بالهجرة فنزلت عليه وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
قوله : ( أخبرنا جرير ) هو ابن عبد الحميد ( عن أبيه ) اسمه حصين بن جندب بن الحارث الجنبي الكوفي ، ثقة من الثانية .

قوله : وقل رب أدخلني أي المدينة مدخل صدق أي إدخالا مرضيا لا أرى فيه ما أكره وأخرجني أي من مكة مخرج صدق أي إخراجا لا ألتفت بقلبي إليها واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا أي قوة تنصرني بها على أعدائك .

قال الحسن البصري في تفسير هذه الآية : إن كفار أهل مكة لما ائتمروا برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليقتلوه أو يطردوه أو يوثقوه ، فأراد قتال أهل مكة ، أمره أن يخرج إلى المدينة ، فهو الذي قال الله عز وجل : وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق الآية .

وقال قتادة : وقل رب أدخلني مدخل صدق : يعني المدينة ، وأخرجني مخرج صدق : يعني مكة ، وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم . وهذا القول هو أشهر الأقوال .

وقال العوفي : عن ابن عباس : أدخلني مدخل صدق : يعني الموت وأخرجني مخرج صدق يعني الحياة بعد الموت ، وقيل غير ذلك من الأقوال ، والأول أصح وهو اختيار ابن جرير ، كذا في تفسير ابن كثير .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد .

قوله : ( نسأل عنه هذا الرجل ) أي النبي صلى الله عليه وسلم ( فقال سلوه ) كذا في النسخ الحاضرة عندنا [ ص: 457 ] بلفظ الواحد ونقل الحافظ هذا الحديث في الفتح عن الترمذي ، وفيه : " فقالوا " بلفظ الجمع وهو الظاهر .

وقد روى الإمام أحمد هذا الحديث في مسنده بسند الترمذي وفيه أيضا : " فقالوا " بصيغة الجمع ، فأنزل الله تعالى : يسئلونك عن الروح حديث ابن عباس هذا يدل على أن هذه الآية نزلت بمكة . وفي حديث ابن مسعود الآتي : قال : كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب ، فمر بنفر من اليهود إلخ . وأخرجه البخاري في كتاب العلم من صحيحه وفيه : بينا أنا أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم في خرب المدينة إلخ ، وهو صريح في أن هذه الآية نزلت بالمدينة .

قال الحافظ : ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول بحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك وإن ساغ هذا ، وإلا فما في الصحيح أصح ، قال والأكثر على أنهم سألوه عن حقيقة الروح الذي في الحيوان ، وقيل عن جبريل ، وقيل عن عيسى ، وقيل عن القرآن ، وقيل عن خلق عظيم روحاني ، وقيل غير ذلك . وجنح ابن القيم في كتاب الروح إلى ترجيح أن المراد بالروح المسئول عنها في الآية ما وقع في قوله تعالى : يوم يقوم الروح والملائكة صفا قال وأما أرواح بني آدم فلم يقع تسميتها في القرآن إلا نفسا ، كذا قال ، ولا دلالة في ذلك لما رجحه بل الراجح الأول ، يعني روح الإنسان . فقد أخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في هذه القصة أنهم قالوا عن الروح : وكيف يعذب الروح الذي في الجسد وإنما الروح من الله؟ فنزلت الآية ، هذا تلخيص كلام الحافظ قل الروح من أمر ربي .

قال الخازن : تكلم قوم في ماهية الروح ، فقال بعضهم : هو الدم ، ألا ترى أن الإنسان إذا مات لا يفوت منه شيء إلا الدم ، وقال قوم : هو نفس الحيوان ، بدليل أنه يموت باحتباس النفس ، وقال قوم : هو عرض ، وقال قوم : هو جسم لطيف يحيا به الإنسان ، وقيل : الروح معنى اجتمع فيه النور والطب والعلم والعلو والبقاء ، ألا ترى أنه إذا كان موجودا يكون الإنسان موصوفا بجميع هذه الصفات ، وإذا خرج منه ذهب الكل .

وأقاويل الحكماء والصوفية في ماهية الروح كثيرة ، وأولى الأقاويل أن يوكل علمه إلى الله عز وجل وهو قول أهل السنة .

[ ص: 458 ] قال عبد الله بن بريدة : إن الله لم يطلع على الروح ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا بدليل قوله : قل الروح من أمر ربي أي من علم ربي الذي استأثر به ( قالوا ) أي اليهود ( أوتينا علما كبيرا ) وفي بعض النسخ : كثيرا مكان كبيرا . قل لو كان البحر أي ماؤه مدادا هو ما يكتب به لكلمات ربي الدالة على حكمه وعجائبه بأن تكتب به لنفد البحر في كتابتها ، وبقية الآية : قبل أن تنفد بالتاء والياء ( تفرغ كلمات ربي ولو جئنا بمثله ) أي البحر ( مددا ) أي زيادة ، ولم تفرغ هي ونصبه على التمييز .

قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد .

قال الحافظ في الفتح بعد ذكر هذا الحديث : رجاله رجال مسلم وهو عند ابن إسحاق من وجه آخر عن ابن عباس نحوه .

التالي السابق


الخدمات العلمية