صفحة جزء
باب ما جاء في كراهية ما يصلى إليه وفيه

346 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا المقرئ حدثنا يحيى بن أيوب عن زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى في سبعة مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله حدثنا علي بن حجر حدثنا سويد بن عبد العزيز عن زيد بن جبيرة عن داود بن حصين عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه بمعناه قال وفي الباب عن أبي مرثد وجابر وأنس أبو مرثد اسمه كناز بن حصين قال أبو عيسى وحديث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوي وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه قال أبو عيسى وزيد بن جبير الكوفي أثبت من هذا وأقدم وقد سمع من ابن عمر وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله وحديث داود عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أشبه وأصح من حديث الليث بن سعد وعبد الله بن عمر العمري ضعفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه منهم يحيى بن سعيد القطان
قوله : ( حدثنا المقرئ ) هو عبد الله بن يزيد المكي أبو عبد الرحمن أصله من البصرة أو الأهواز ثقة فاضل أقرأ القرآن نيفا وسبعين سنة ، وهو من كبار شيوخ البخاري ( أخبرنا يحيى بن أيوب ) الغافقي المصري أبو العباس عالم أهل مصر ومفتيهم روى عن أبي نبيل ويزيد بن أبي حبيب وعنه المقرئ وخلق كذا في الميزان . وقال الحافظ في التقريب : صدوق ربما أخطأ ( عن زيد بن جبيرة ) بفتح الجيم وكسر الموحدة . قال الحافظ متروك ، وقال السيوطي : ليس له عند المصنف يعني الترمذي إلا هذا الحديث .

قوله : ( نهى أن يصلى ) على بناء المفعول ( في المزبلة ) بفتح الميم وتثبيت الموحدة : المكان الذي يلقى فيه الزبل ، قال في القاموس الزبل بكسر الزاي وكأمير السرقين والمزبلة وتضم الباء ملقاه وموضعه ( والمجزرة ) بفتح الميم والزاي وبكسرها وهي الموضع الذي ينحر فيه الإبل ويذبح البقر والشاة ، نهى عنها لأجل النجاسة فيها من الدماء والأرواث ( والمقبرة ) قال في القاموس : القبر مدفن الإنسان والمقبرة مثلثة الباء وكمكنسة موضعها ، انتهى ( وقارعة الطريق ) الإضافة بيانية أي الطريق التي يقرعها الناس بأرجلهم أي يدقونها ويمرون عليها . وقيل هي وسطها أو أعلاها . والمراد هاهنا نفس الطريق ، وكأن القارعة بمعنى المقروعة أو الصيغة للنسبة . وإنما يكره الصلاة فيها لاشتغال القلب بمرور الناس وتضييق المكان عليهم ( وفي الحمام ) تقدم الكلام في الصلاة في الحمام وفي المقبرة في باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ( ومعاطن الإبل ) جمع معطن بفتح الميم وكسر الطاء وهو مبرك الإبل حول الماء ، ويجيء الكلام عليه في الباب الآتي ( وفوق ظهر بيت الله ) لأنه إذا لم يكن بين يديه سترة ثابتة تستره لم تصح صلاته لأنه مصل على البيت لا إلى [ ص: 272 ] البيت . وذهب الشافعي إلى الصحة بشرط أن يستقبل من بنائها قدر ثلثي ذراع . وعند أبي حنيفة لا يشترط ذلك ، وكذا قال ابن السريج قال : لأنه كمستقبل العرصة لو هدم البيت عياذا بالله كذا في النيل .

قوله : ( وفي الباب عن أبي مرثد وجابر وأنس ) أما حديث أبي مرثد فأخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه ولفظه : لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها . وأما حديث جابر وأنس فعند ابن عدي في الكامل كما في النيل .

قوله : ( حديث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوي إلخ ) وأخرجه ابن ماجه وعبد بن حميد في مسنده ( وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه ) قال الزيلعي في نصب الراية : اتفق الناس على ضعف زيد بن جبيرة فقال البخاري : منكر الحديث ، وقال النسائي : ليس بثقة ، وقال أبو حاتم والأزدي : منكر الحديث جدا لا يكتب حديثه ، وقال الدارقطني : ضعيف الحديث ، وقال ابن عدي : عامة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد ، انتهى مختصرا .

قوله : ( وقد روى الليث بن سعد هذا الحديث عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر إلخ ) أخرجه ابن ماجه عن أبي صالح ، حدثنا الليث بن سعد إلخ ، وهذه الرواية من مسند عمر ، والرواية المذكورة في الباب من مسند ابن عمر ، والروايتان ضعيفتان . قال الحافظ في التلخيص : في سند الترمذي زيد بن جبيرة وهو ضعيف جدا ، وفي سند ابن ماجه عبد الله بن صالح وعبد الله بن عمر العمري المذكور في سنده ضعيف أيضا ، انتهى .

قوله : ( وحديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أشبه وأصح من حديث الليث بن سعد ) قيل إن قوله [ ص: 273 ] من حديث الليث صفة لحديث ابن عمر بأنه من حديث الليث الذي هو أصح من حديث ابن جبيرة كذا في النيل ، قلت : هذا خلاف الظاهر ، والظاهر أن كلمة من تفضيلية ، والمعنى أن حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي من طريق زيد بن جبيرة عن داود بن الحصين عن نافع أصح وأحسن من حديث الليث بن سعد عن عبد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، يعني أن حديث ابن عمر أحسن حالا وأقل ضعفا من حديث الليث ؛ لأنك قد عرفت أن الحديثين كليهما ضعيفان ، وهذا المعنى هو الظاهر المتبادر لكن في كون حديث ابن عمر أصح وأحسن من حديث الليث نظرا ظاهرا بل الأمر بالعكس ، ولعله لأجل ذلك قيل إن قوله من حديث الليث صفة لحديث ابن عمر والله تعالى أعلم ( وعبد الله بن عمر العمري ضعفه بعض أهل الحديث من قبل حفظه منهم يحيى بن سعيد القطان ) قال الحافظ في التقريب ضعيف عابد ، وقال الذهبي في الميزان صدوق في حفظه شيء ، روى عن نافع وجماعة ، روى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين ليس به بأس يكتب حديثه ، وقال الدارمي قلت لابن معين : كيف حاله في نافع قال صالح ثقة ، وقال الفلاس : كان يحيى القطان لا يحدث عنه ، وقال أحمد بن حنبل صالح لا بأس به ، وقال النسائي وغيره ليس بالقوي ، وقال ابن عدي في نفسه صدوق ، وقال أحمد : كان عبيد الله رجلا صالحا كان يسأل عن الحديث في حياة أخيه عبيد الله فيقول : أما وأبو عثمان حي فلا ، وقال ابن المديني : عبد الله ضعيف ، وقال ابن حبان : كان ممن غلب عليه الصلاح والعبادة حتى غفل عن حفظ الأخبار وجودة الحفظ للآثار فلما فحش خطؤه استحق الترك ومات سنة 173 ثلاث وسبعين ومائة ، انتهى ما في الميزان .

قال القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي : والمواضع التي لا يصلى فيها ثلاثة عشر فذكر السبعة المذكورة في حديث الباب وزاد ( 8 ) الصلاة إلى المقبرة و ( 9 ) إلى جدار مرحاض عليه نجاسة و ( 10 ) الكنيسة و ( 11 ) البيعة و ( 12 ) إلى التماثيل و ( 13 ) في دار العذاب ، وزاد العراقي و ( 14 ) الصلاة في الدار المغصوبة و ( 15 ) الصلاة إلى النائم والمتحدث و ( 16 ) الصلاة في بطن الوادي و ( 17 ) الصلاة في الأرض المغصوبة و ( 18 ) الصلاة في مسجد الضرار و ( 19 ) الصلاة إلى التنور فصارت تسعة عشر موضعا . ودليل المنع من الصلاة في هذه المواطن أما السبعة الأول فلما تقدم ، وأما الصلاة إلى المقبرة فلحديث النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، وأما الصلاة إلى جدار مرحاض فلحديث ابن عباس في سبعة من الصحابة بلفظ : نهى عن الصلاة في المسجد تجاهه [ ص: 274 ] حش ، أخرجه ابن عدي ، قال العراقي : ولم يصح إسناده ، وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن عبد الله بن عمرو أنه قال : لا يصلي إلى الحش ، وعن علي قال لا يصلي تجاه حش ، وفي كراهة استقباله خلاف بين الفقهاء . وأما الكنيسة والبيعة فروى ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن عباس أنه كره الصلاة في الكنيسة إذا كان فيها تصاوير . وقد رويت الكراهة عن الحسن ، ولم ير الشعبي وعطاء بن أبي رباح بالصلاة في الكنيسة والبيعة بأسا ، ولم ير ابن سيرين بالصلاة في الكنيسة بأسا ، وصلى أبو موسى الأشعري وعمر بن عبد العزيز في كنيسة . ولعل وجه الكراهة اتخاذهم لقبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد ، لأنها تصير جميع البيع والمساجد مظنة لذلك . وأما الصلاة إلى التماثيل فلحديث عائشة الصحيح أنه قال لها صلى الله عليه وسلم : أزيلي عني قرامك هذا فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي ، وكان لها ستر فيه تماثيل . وأما الصلاة في دار العذاب فلما عند أبي داود من حديث علي قال : نهاني حبي أن أصلي في أرض بابل لأنها ملعونة ، وفي إسناده ضعف . وأما إلى النائم والمتحدث فهو في حديث ابن عباس عند أبي داود وابن ماجه وفي إسناده من لم يسم . وأما الصلاة في الأرض المغصوبة فلما فيها من استعمال مال الغير بغير إذنه . وأما الصلاة في مسجد الضرار فقال ابن حزم : إنه لا يجزي أحدا الصلاة فيه لقصة مسجد الضرار ، وقوله : ( لا تقم فيه أبدا ) فصح أنه ليس موضع صلاة . وأما الصلاة إلى التنور فكرهها محمد بن سيرين وقال : بيت نار . رواه ابن أبي شيبة في المصنف وزاد بعضهم مواطن أخرى ذكرها الشوكاني في النيل . قال : واعلم أن القائلين بصحة الصلاة في هذه المواطن أو في أكثرها تمسكوا في المواطن التي صحت أحاديثها بأحاديث : أينما أدركتك الصلاة فصل ونحوها ، وجعلوها قرينة قاضية بصحة تأويل القاضية بعدم الصحة ، وقد عرفناك أن أحاديث النهي عن المقبرة والحمام ونحوهما خاصة فتبنى العامة عليها . وتمسكوا في المواطن التي لم تصح أحاديثها بالقدح فيها لعدم التعبد بما لم يصح وكفاية البراءة الأصلية حتى يقوم دليل صحيح ينقل عنها لا سيما بعد ورود عمومات قاضية بأن كل موطن من مواطن الأرض مسجد تصح الصلاة فيه ، وهذا متمسك صحيح لا بد منه ، انتهى كلام الشوكاني .

التالي السابق


الخدمات العلمية