صفحة جزء
باب ما جاء في الصلاة في مرابض الغنم وأعطان الإبل

348 حدثنا أبو كريب حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل حدثنا أبو كريب حدثنا يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله أو بنحوه قال وفي الباب عن جابر بن سمرة والبراء وسبرة بن معبد الجهني وعبد الله بن مغفل وابن عمر وأنس قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح وعليه العمل عند أصحابنا وبه يقول أحمد وإسحق وحديث أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث غريب ورواه إسرائيل عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا ولم يرفعه واسم أبي حصين عثمان بن عاصم الأسدي
[ ص: 275 ] قوله : " صلوا في مرابض الغنم " جمع مربض بفتح الميم وكسر الباء الموحدة . وآخره ضاد معجمة وهو مأوى الغنم . قال الجوهري : المرابض للغنم كالمعاطن للإبل ، واحدها مربض مثال مجلس ، قال : وربوض الغنم والبقر والفرس مثل بروك الإبل وجثوم الطير ، انتهى . والأمر للإباحة ، قال العراقي اتفاقا وإنما نبه صلى الله عليه وسلم لئلا يظن أن حكمها حكم الإبل ، أو أنه أخرج على جواب السائل حين سأله عن الأمرين فأجاب في الإبل بالمنع وفي الغنم بالإذن .

قوله : " ولا تصلوا في أعطان الإبل " جمع عطن بفتح العين والطاء المهملتين ، وفي بعض الطرق معاطن وهي جمع معطن بفتح الميم وكسر الطاء ، قال في النهاية العطن مبرك الإبل حول الماء . قال السيوطي قال ابن حزم : كل عطن مبرك وليس كل مبرك عطنا . لأن العطن هو الموضع الذي تناخ فيه عند ورودها الماء فقط ، والمبرك أعم لأنه الموضع المتخذ له في كل حال ، انتهى . قلت : المراد بأعطان الإبل في هذا الحديث مباركها ففي حديث البراء عند أبي داود قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل فقال : لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين .

قوله : ( وفي الباب عن جابر بن سمرة والبراء وسبرة بن معبد الجهني وعبد الله بن مغفل وابن عمر وأنس ) أما حديث جابر بن سمرة فأخرجه مسلم . وأما حديث البراء فأخرجه أبو داود . وأما حديث سبرة بن معبد فأخرجه ابن ماجه . وأما حديث عبد الله بن مغفل فأخرجه ابن ماجه أيضا والنسائي . وأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه أيضا . وأما حديث أنس فأخرجه الشيخان . وفي الباب أيضا عن أسيد بن حضير عند الطبراني ، وعن سليك الغطفاني عند الطبراني أيضا ، وفي إسناده جابر الجعفي ضعفه الجمهور ، ووثقه شعبة وسفيان ، وعن طلحة بن عبد الله عند أبي يعلى في مسنده وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عند أحمد وفي إسناده ابن لهيعة ، وعن عقبة بن عامر عند الطبراني ورجال إسناده ثقات ، وعن يعيش الجهني المعروف بذي الغرة عند أحمد والطبراني ورجال إسناده ثقات .

[ ص: 276 ] فائدة : ذكر ابن حزم أن أحاديث النهي عن الصلاة في أعطان الإبل متواترة بنقل تواتر يوجب العلم .

قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح ) وأخرجه أحمد وابن ماجه .

قوله : ( وعليه العمل ) أي على ما يدل عليه حديث أبي هريرة من جواز الصلاة في مرابض الغنم وتحريمها في معاطن الإبل ( عند أصحابنا ) يعني أصحاب الحديث ( وبه يقول أحمد وإسحاق ) قال الشوكاني في النيل : والحديث يدل على جواز الصلاة في مرابض الغنم وعلى تحريمها في معاطن الإبل ، وإليه ذهب أحمد بن حنبل فقال : لا تصح بحال ، وقال : من صلى في عطن إبل أعاد أبدا . وسئل مالك عمن لا يجد إلا عطن إبل قال : لا يصلي فيه ، قيل : فإن بسط عليه ثوبا قال : لا ، وقال ابن حزم : لا تحل في عطن إبل ، وذهب الجمهور إلى حمل النهي على الكراهة مع عدم النجاسة وعلى التحريم مع وجودها ، وهذا إنما يتم على القول بأن علة النهي هي النجاسة وذلك متوقف على نجاسة أبوال الإبل وأزبالها ، وقد عرفت ما قدمنا فيه . ولو سلمنا النجاسة فيه لم يصح جعلها علة ؛ لأن العلة لو كانت النجاسة لما افترق الحال بين أعطانها وبين مرابض الغنم إذ لا قائل بالفرق بين أرواث كل من الجنسين وأبوالها كما قال العراقي . وأيضا قد قيل : إن حكمة النهي ما فيها من النفور ، فربما نفرت وهو في الصلاة فتؤدي إلى قطعها ، أو أذى يحصل له منها أو تشوش الخاطر الملهي عن الخشوع في الصلاة . وبهذا علل النهي أصحاب الشافعي وأصحاب مالك ، وعلى هذا فيفرق بين كون الإبل في معاطنها وبين غيبتها عنها إذ يؤمن نفورها حينئذ : ويرشد إلى صحة هذا حديث ابن [ ص: 277 ] مغفل عند أحمد بإسناد صحيح بلفظ : لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الجن ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت . وقد يحتمل أن علة النهي أن يجاء بها إلى معاطنها بعد شروعه في الصلاة فيقطعها أو يستمر فيها مع شغل خاطره : وقيل لأن الراعي يبول بينها . وقيل : الحكمة في النهي كونها خلقت من الشياطين ، ويدل على هذا أيضا حديث ابن مغفل السابق وكذا عند النسائي من حديثه ، وعند أبي داود من حديث البراء وعند ابن ماجه بإسناد صحيح من حديث أبي هريرة ، إذا عرفت هذا الاختلاف في العلة تبين لك أن الحق الوقوف على مقتضى النهي وهو التحريم كما ذهب إليهأحمد والظاهرية . وأما الأمر بالصلاة في مرابض الغنم فأمر إباحة ليس للوجوب . قال العراقي اتفاقا وإنما نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك لئلا يظن أن حكمها حكم الإبل ، أو أنه أخرج على جواب السائل حين سأله عن الأمرين فأجاب في الإبل بالمنع وفي الغنم بالإذن . وأما الترغيب المذكور في الأحاديث بلفظ : فإنها بركة ، فهو إنما ذكر لقصد تبعيدها عن حكم الإبل كما وصف أصحاب الإبل بالغلظ والقسوة ووصف أصحاب الغنم بالسكينة ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية