صفحة جزء
باب ومن سورة الكوثر

3359 حدثنا عبد بن حميد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس إنا أعطيناك الكوثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هو نهر في الجنة قال فقال النبي صلى الله عليه وسلم رأيت نهرا في الجنة حافتاه قباب اللؤلؤ قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
( ومن سورة الكوثر ) مكية قاله ابن عباس والجمهور وقيل إنها مدنية قاله الحسن وعكرمة وقتادة وهي ثلاث آيات .

قوله : ( عن أنس إنا أعطيناك الكوثر أي عن أنس في تفسير قوله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر وهو على وزن فوعل من الكثرة سمي به النهر لكثرة مائه وآنيته وعظم قدره وخيره ، والعرب تسمي كل شيء كثير في العدد أو القدر والخطر كوثرا ( حافتيه ) بتخفيف الفاء أي في جانبيه قال في القاموس حافتي الوادي وغيره جانباه والجمع حافات وفي بعض النسخ حافتاه بالألف على أنه مبتدأ وخبره ( قباب اللؤلؤ ) والقباب بكسر القاف وتخفيف الباء الموحدة الأولى جمع قبة وهو بناء سقفه مستدير مقمر ( قلت ما هذا ) أي ما هذا النهر ( قال هذا الكوثر الذي أعطاكه الله ) هذا نص صريح في أن المراد بالكوثر في قوله تعالى : إنا أعطيناك الكوثر هو هذا النهر المذكور في هذا الحديث وروى البخاري في صحيحه عن أبي عبيدة عن عائشة قال سألتها عن قوله تعالى إنا أعطيناك الكوثر قالت : نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم الحديث ، وروي من طريق أبي بشر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : الكوثر الخير الكثير الذي أعطاه الله إياه . قال أبو بشر : قلت لسعيد إن ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة فقال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه . قال الحافظ : هذا تأويل من سعيد بن جبير جمع به بين حديثي عائشة وابن عباس ، وحاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول ابن عباس إنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره إن المراد به نهر في الجنة . لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير ولعل سعيدا أومأ إلى أن تأويل ابن عباس أولى لعمومه لكن ثبت تخصيصه بالنهر من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم فلا معدل عنه . انتهى .

قال الحافظ ابن جرير في تفسيره اختلف أهل التأويل في معنى الكوثر فقال بعضهم هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم ثم ذكر من قال به ثم قال : وقال آخرون عنى بالكوثر الخير الكثير ثم ذكر من قال به ، ثم قال [ ص: 206 ] وقال آخرون : هو حوض أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة ثم قال : وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي قول من قال : هو اسم النهر الذي أعطيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة وصفه الله بالكثرة لعظمة قدره ، وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك لتتابع الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ذلك كذلك انتهى .

قلت : الأمر كما قال الحافظ ابن جرير والحافظ ابن حجر رحمهما الله تعالى . وقال الحافظ ابن جرير في تفسير قوله تعالى : فصل لربك وانحر اختلف أهل التأويل في الصلاة التي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصليها بهذا الخطاب ومعنى قوله " وانحر " . فقال بعضهم : حضه على المواظبة على الصلاة المكتوبة وعلى الحفظ عليها في أوقاتها بقوله : فصل لربك وانحر ثم ذكر من قال به ثم قال : وقال آخرون بل عنى بقوله : فصل لربك الصلاة المكتوبة وبقوله : وانحر أن يرفع يديه إلى النحر عند افتتاح الصلاة والدخول فيها ، ثم ذكر من قال به ثم قال : وقال آخرون عنى بقوله : فصل لربك المكتوبة وبقوله . وانحر نحر البدن ، ثم ذكر من قال به ثم قال : وقال آخرون بل عنى بذلك : صل يوم النحر صلاة العيد وانحر نسكك ، ثم ذكر من قال به ثم قال : وقال آخرون قيل ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم لأن قوما كانوا يصلون لغير الله وينحرون لغيره فقيل له اجعل صلاتك ونحرك لله إذ كان من يكفر بالله يجعله لغيره . ثم ذكر من قال به ثم قال : وقال آخرون : بل أنزلت هذه الآية يوم الحديبية حين حصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وصدوا عن البيت فأمره الله أن يصلي وينحر البدن وينصرف ففعل ، ثم ذكر من قال به ثم قال : وقال آخرون بل معنى ذلك فصل وادع ربك وسله ثم ذكر من قال به ثم قال : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال معنى ذلك : فاجعل صلاتك كلها لربك خالصا دون ما سواه من الأنداد والآلهة . وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان شكرا له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفء له وخصك به من إعطائه إياك الكوثر . وإنما قلت ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك ؛ لأن الله جل ثناؤه أخبر نبيه صلى الله عليه وسلم بما أكرمه به من عطيته وكرامته وإنعامه عليه بالكوثر ثم أتبع ذلك قوله : فصل لربك وانحر فكان معلوما بذلك أنه خصه بالصلاة له والنحر على الشكر له على ما أعلمه من النعمة التي أنعمها عليه بإعطائه إياه الكوثر ، فلم يكن لخصوص بعض الصلاة بذلك دون بعض . وبعض النحر دون بعض وجه إذا كان حثا على الشكر على النعم ، فتأويل الكلام إذا : إنا أعطيناك يا محمد الكوثر إنعاما منا عليك به وتكرمة منا لك فأخلص لربك العبادة وأفرد له صلاتك ونسكك خلافا لما يفعله من كفر به وعبد غيره ونحر للأوثان انتهى .

[ ص: 207 ] قلت : ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى : قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .

التالي السابق


الخدمات العلمية