صفحة جزء
باب مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه

3655 حدثنا محمود بن غيلان حدثنا عبد الرزاق أخبرنا الثوري عن أبي إسحق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبرأ إلى كل خليل من خله ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا وإن صاحبكم خليل الله قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن الزبير وابن عباس
( مناقب أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ) واسمه عبد الله بن عثمان ولقبه عتيق

قال الحافظ : المشهور أن اسم أبي بكر عبد الله بن عثمان ، ويقال : كان اسمه قبل الإسلام عبد الكعبة ، وكان يسمى أيضا عتيقا واختلف هل هو اسم له أصلي ، أو قيل له ذلك لأنه ليس في نسبه ما يعاب به ، أو لقدمه في الخير وسبقه إلى الإسلام ، أو قيل له ذلك لحسنه ، أو لأن أمه كان لا يعيش لها ولد فلما ولد استقبلت به البيت فقالت : اللهم هذا عتيقك من الموت ، أو لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشره بأن الله أعتقه من النار ، وقد ورد في هذا الأخير حديث عن عائشة عند الترمذي ، وآخر عن عبد الله بن الزبير عند البزار وصححه ابن حبان وزاد فيه وكان [ ص: 96 ] اسمه قبل ذلك عبد الله بن عثمان ، وعثمان اسم أبي قحافة لم يختلف في ذلك كما لم يختلف في كنية الصديق ، ولقب الصديق لسبقه إلى تصديق النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وقيل : كان ابتداء تسميته بذلك صبيحة الإسراء ، وروى الطبراني من حديث : أنه كان يحلف أن الله أنزل اسم أبي بكر من السماء : الصديق ، رجاله ثقات ، وأما نسبه فهو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب يجتمع مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرة بن كعب ; ومات بمرض السل على ما قاله الزبير بن بكار ; وعن الواقدي أنه اغتسل في يوم بارد فحم خمسة عشر يوما ، وقيل : بل سمته اليهود في حريرة أو غيرها ، وذلك على الصحيح لثمان بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة من الهجرة فكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وأياما وقيل غير ذلك ، ولم يختلفوا أنه استكمل سن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمات وهو ابن ثلاث وستين ، والله أعلم .

قوله : ( عن أبي الأحوص ) اسمه عوف بن مالك بن نضلة الجشمي ( عن عبد الله ) هو ابن مسعود . قوله : " أبرأ إلى كل خليل من خلته " قال في النهاية في الحديث " إني أبرأ إلى كل ذي خلة من خلته " ، الخلة بالضم : الصداقة ، والمحبة التي تخللت القلب فصارت خلاله أي : في باطنه ، والخليل الصديق فعيل بمعنى مفاعل ، وقد يكون بمعنى مفعول وإنما قال ذلك ؛ لأن خلته كانت مقصورة على حب الله تعالى فليس فيها لغيره متسع ولا شركة من محاب الدنيا ، والآخرة ، وهذه حال شريفة لا ينالها أحد بكسب واجتهاد فإن الطباع غالبة ، وإنما يخص الله بها من يشاء من عباده مثل سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه ، ومن جعل الخليل مشتقا من الخلة وهي الحاجة ، والفقر أراد : إني أبرأ من الاعتماد والافتقار إلى أحد غير الله تعالى ، وفي رواية " أبرأ إلى كل خل من خلته " بفتح الخاء وبكسرها وهما بمعنى الخلة ، والخليل . انتهى ، وفي رواية مسلم : " ألا إني أبرأ إلى كل خل من خله " ، قال النووي هما بكسر الخاء ، فأما الأول فكسره متفق عليه وهو الخل بمعنى الخليل ، وأما قوله من خله فبكسر الخاء عند جميع الرواة في جميع النسخ ، وكذا نقله القاضي عن جميعهم قال : والصواب الأوجه فتحها ، قال ، والخلة ، والخل ، والخلال ، والمخاللة ، والخلالة ، والخلوة : الإخاء والصداقة أي : برئت إليه من صداقته المقتضية المخاللة ، هذا كلام القاضي ، والكسر صحيح كما جاءت به الروايات أي : أبرأ إليه من مخالتي إياه " ولو كنت متخذا خليلا " ، وفي رواية لمسلم : لو كنت متخذا من أمتي أحدا خليلا ، وفي حديث أبي سعيد عند البخاري : " ولو كنت متخذا خليلا غير ربي " لاتخذت ابن أبي قحافة خليلا " أي : أبا بكر ؛ لأنه أهل لذلك لولا المانع فإن خلة الرحمن تعالى لا تسع مخالة شيء غيره أصلا " وإن [ ص: 97 ] صاحبكم لخليل الله " ، وفي رواية لمسلم : " وقد اتخذ الله صاحبكم خليلا " ، قال الطيبي في قوله : اتخذ الله مبالغة من وجهين : أحدهما أنه أخرج الكلام على التجريد حيث قال صاحبكم ولم يقل اتخذني ، وثانيهما اتخذ الله صاحبكم بالنصب عكس ما لمح إليه حديث أبي سعيد من قوله في غير ربي قبل الحديثان على حصول المخاللة من الطرفين . انتهى ، قال القاضي : وجاء في أحاديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال : " ألا وأنا حبيب الله " واختلف المتكلمون : هل المحبة أرفع من الخلة أم الخلة أرفع أم هما سواء ؟ فقالت طائفة : هما بمعنى ، فلا يكون الحبيب إلا خليلا ، ولا يكون الخليل إلا حبيبا ، وقيل : الحبيب أرفع ؛ لأنها صفة نبينا -صلى الله عليه وسلم- ، وقيل : الخليل أرفع ، وقد ثبتت الخلة ؛ خلة نبينا -صلى الله عليه وسلم- لله تعالى بهذا الحديث ، ونفى أن يكون له خليل غيره وأثبت محبته لخديجة وعائشة وأبيها وأسامة وأبيه وفاطمة وابنيها وغيرهم ، ومحبة الله تعالى لعبده تمكينه من طاعته وعصمته وتوفيقه وتيسير ألطافه وهدايته وإفاضة رحمته عليه ، هذه مباديها ، وأما غايتها فكشف الحجب عن قلبه حتى يراه ببصيرته فيكون كما قال في الحديث الصحيح : " فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره " إلى آخره ، هذا كلام القاضي ، وأما قول أبي هريرة وغيره من الصحابة -رضي الله عنهم- : سمعت خليلي -صلى الله عليه وسلم- فلا يخالف هذا ؛ لأن الصحابي يحسن في حقه الانقطاع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا في شرح مسلم للنووي . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه مسلم وابن ماجه .

قوله ( وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة وابن عباس وابن الزبير ) أما حديث أبي سعيد وحديث أبي هريرة فأخرجهما الترمذي في ما بعد ، وأما حديث ابن عباس فأخرجه البخاري ، وأما حديث ابن الزبير فأخرجه أحمد ، والبخاري .

التالي السابق


الخدمات العلمية