صفحة جزء
باب من فضل عائشة رضي الله عنها

3879 حدثنا يحيى بن درست البصري حدثنا حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة قالت فاجتمع صواحباتي إلى أم سلمة فقلن يا أم سلمة إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريد عائشة فقولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر الناس يهدون إليه أينما كان فذكرت ذلك أم سلمة فأعرض عنها ثم عاد إليها فأعادت الكلام فقالت يا رسول الله إن صواحباتي قد ذكرن أن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة فأمر الناس يهدون أينما كنت فلما كانت الثالثة قالت ذلك قال يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه ما أنزل علي الوحي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب وقد روى بعضهم هذا الحديث عن حماد بن زيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا وقد روي عن هشام بن عروة هذا الحديث عن عوف بن الحارث عن رميثة عن أم سلمة شيئا من هذا وهذا حديث قد روي عن هشام بن عروة على روايات مختلفة وقد روى سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة نحو حديث حماد بن زيد
( من فضل عائشة -رضي الله عنها - ) هي الصديقة بنت الصديق ، وأمها أم رومان ، وكان مولدها في الإسلام قبل الهجرة بثمان سنين ، أو نحوهما ، ومات النبي -صلى الله عليه وسلم- ولها نحو ثمانية عشر عاما ، وقد حفظت عنه شيئا كثيرا وعاشت بعده قريبا من خمسين سنة ، فأكثر الناس الأخذ عنها ونقلوا عنها من الأحكام ، والآداب شيئا كثيرا حتى قيل : إن ربع الأحكام الشرعية منقول عنها -رضي الله عنها- وكان موتها في خلافة معاوية سنة ثمان وخمسين ، وقيل : في التي بعدها : ولم تلد للنبي -صلى الله عليه وسلم- شيئا على الصواب ، وسألته أن تكتنى ، فقال : اكتني بابن أختك فاكتنت أم عبد الله ، وأخرج ابن حبان في صحيحه من حديث عائشة أنه كناها بذلك لما أحضر إليه ابن الزبير ليحنكه ، فقال : هو عبد الله وأنت أم عبد الله ، قالت : فلم أزل أكنى به .

قوله : ( كان الناس يتحرون ) من التحري وهو القصد والاجتهاد في الطلب ، والعزم على تخصيص الشيء بالفعل ، والقول ( يوم عائشة ) أي : يوم نوبتها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- زاد البخاري ومسلم : يبتغون بذلك مرضاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( قالت ) أي : عائشة ( فاجتمع صواحباتي ) أرادت بهن بقية أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- اللاتي كن في حزب أم سلمة . ففي رواية البخاري أن نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كن حزبين : فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة ، والحزب الآخر : أم سلمة وسائر نساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عائشة ، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخرها حتى إذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت عائشة بعث صاحب الهدية بها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت عائشة ، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها : كلمي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يكلم الناس إلخ ( يأمر الناس ) بالجزم والراء مكسورة لالتقاء الساكنين ويجوز الرفع ، [ ص: 256 ] يهدون إليه أين ما كان ، أي : من حجرات الأمهات ، ومرادهن أنه لا يقع التحري في ذلك لا لهن ولا لغيرهن بل بحسب ما يتفق الأمر فيهن ليرتفع التمييز الباعث للغيرة عنهن ( فذكرت ذلك أم سلمة ) أي : لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( ثم عاد إليها ) أي : عاد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أم سلمة في يوم نوبتها " لا تؤذيني في عائشة " أي : في حقها ، وهو أبلغ من لا تؤذي عائشة لما تفيد من أن ما آذاها فهو يؤذيه " ما أنزل " بصيغة المجهول " علي " بتشديد الياء " وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها " بالجر صفة لامرأة . فإن قلت : ما وجه التوفيق بين هذا الحديث وبين ما في حديث كعب بن مالك عند البخاري : فأنزل الله توبتنا على نبيه -صلى الله عليه وسلم- حين بقي الثلث الآخر من الليل ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند أم سلمة . قلت : قال القاضي جلال الدين : لعل ما في حديث عائشة كان قبل القصة التي نزل الوحي فيها في فراش أم سلمة . انتهى ، قال السيوطي في الإتقان : ظفرت بما يؤخذ منه جواب أحسن من هذا فروى أبو يعلى في مسنده عن عائشة قالت : أعطيت تسعا . الحديث وفيه : وإن كان الوحي لينزل عليه وهو عند أهله فينصرفون عنه ، وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه ، وعلى هذا لا معارضة بين الحديثين . انتهى ، وفي الحديث منقبة ظاهرة لعائشة ، وأنه لا حرج على المرء في إيثار بعض نسائه بالتحف ، وإنما اللازم العدل في المبيت والنفقة ونحو ذلك من الأمور اللازمة ، كذا قرره ابن بطال عن المهلب ، وتعقبه ابن المنير بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يفعل ذلك وإنما فعله الذين أهدوا له ، وهم باختيارهم في ذلك ، وإنما لم يمنعهم النبي -صلى الله عليه وسلم- ؛ لأنه ليس من كمال الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى الناس بمثل ذلك لما فيه من التعرض لطلب الهدية . قوله : ( وقد روى بعضهم هذا الحديث عن حماد بن زيد إلخ ) رواه البخاري في فضل عائشة من طريق عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد بن زيد عن هشام عن أبيه قال : كان الناس يتحرون إلخ . [ ص: 257 ] قوله : ( هذا حديث غريب ) وأخرجه البخاري ( وقد روي عن هشام بن عروة عن عوف بن الحارث ) بن الطفيل بن سخبرة بفتح المهملة وسكون المعجمة بعدها موحدة مفتوحة الأزدي ، مقبول من الثالثة ( عن رميثة ) بضم الراء وفتح الميم مصغرا بنت الحارث بن الطفيل بن سخبرة الأزدية أخت عوف رضيع عائشة ، مقبولة ( عن أم سلمة شيئا من هذا ) أخرجه أحمد ( وقد روى سليمان بن بلال عن هشام بن عروة إلخ ) أخرجه البخاري من طريق إسماعيل عن أخيه عن سليمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية