صفحة جزء
باب في فضل الأنصار وقريش

3899 حدثنا محمد بن بشار حدثنا أبو عامر عن زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لو سلك الأنصار واديا أو شعبا لكنت مع الأنصار قال أبو عيسى هذا حديث حسن
( في فضل الأنصار وقريش ) الأنصار جمع نصير : مثل شريف ، وأشراف النصير الناصر وجمعه نصر مثل صاحب [ ص: 273 ] وصحب ، والأنصار اسم إسلامي سمى به النبي -صلى الله عليه وسلم- الأوس ، والخزرج وحلفاءهم ، والأوس ينتسبون إلى الأوس بن حارثة ، والخزرج ينتسبون إلى الخزرج بن حارثة وهما ابنا قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة ، وقيل : قيلة بنت كاهل بن عذرة بن سعد بن قضاعة ، وأبوهما حارثة بن ثعلبة من اليمن . فأما قريش فاختلف في أن من هو الذي تسمى بقريش من أجداد النبي -صلى الله عليه وسلم- ؟ فقال الزبير : قالوا قريش اسم فهر بن مالك وما لم يلد فهر فليس من قريش ، قال الزبير قال عمي : فهر هو قريش اسمه وفهر لقبه ، وكنية فهر أبو غالب وهو جماع قريش ، وقال ابن هشام : النضر هو قريش فمن كان من ولده فهو قريش ومن لم يكن من ولده فليس بقرشي ، وهذا قول الجمهور ، قيل : قصي هو قريش ، وقال عبد الملك بن مروان : سمعت أن قصيا كان يقال له قريش ولم يسم أحد قريشا قبله ، والقولان الأولان حكاهما غير واحد من أئمة علم النسب . كأبي عمر بن عبد البر والزبير بن بكار ومصعب وأبي عبيدة ، والصحيح الذي عليه الجمهور هو النضر ، وقيل : الصحيح فهر ، وقد اختلف في وجه التسمية بقريش على خمسة عشر قولا ذكرها العيني في شرح البخاري .

قوله : ( أخبرنا أبو عامر ) العقدي ( عن زهير بن محمد ) التميمي . قوله : " لولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار " قال الخطابي : أراد بهذا الكلام تألف الأنصار وتطييب قلوبهم والثناء عليهم في دينهم حتى رضي أن يكون واحدا منهم لولا ما يمنعه من الهجرة التي لا يجوز تبديلها ، ونسبة الإنسان على وجوه الولادية كالقرشية ، والبلادية كالكوفية والاعتقادية كالسنية والصناعية كالصيرفية ولا شك أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يرد به الانتقال عن نسب آبائه ؛ إذ ذاك ممتنع قطعا ، وكيف وأنه أفضل منهم نسبا ، وأكرمهم أصلا ، وأما الاعتقادي فلا موضع فيه للانتقال ؛ إذ كان دينه ودينهم واحدا فلم يبق إلا القسمان الأخيران الجائز فيهما الانتقال ، وكانت المدينة دار الأنصار ، والهجرة إليها أمرا واجبا ، أي : لولا أن النسبة الهجرية ولا يسعني تركها لانتقلت عن هذا الاسم إليكم ولانتسبت إلى داركم ، قال الخطابي : وفيه وجه آخر وهو أن العرب كانت تعظم شأن الخؤولة وتكاد تلحقها بالعمومة ، وكانت أم عبد المطلب امرأة من بني النجار ، فقد يكون -صلى الله عليه وسلم- ذهب هذا المذهب إن كان أراد به نسبة الولادة " لو سلك الأنصار واديا " أي : طريقا ، والوادي المكان المنخفض وقيل : الذي فيه ماء ، والمراد هنا الطريق حسيا كان أو معنويا " ، أو شعبا " بكسر الشين المعجمة وسكون العين المهملة ، وهو اسم لما انفرج بين جبلين وقيل : الطريق في الجبل ، قال [ ص: 274 ] الخطابي : لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه -وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا تفرقت في السفر الطرق- سلك كل قوم منهم واديا وشعبا فأراد أنه مع الأنصار ، قال : ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب كما يقال فلان في واد ، وأنا في واد ، قيل : أراد -صلى الله عليه وسلم- بذلك حسن موافقته إياهم وترجيحهم في ذلك على غيرهم لما شاهد منهم حسن الوفاء بالعهد ، وحسن الجوار وما أراد بذلك وجوب متابعته إياهم ، فإن متابعته حق على كل مؤمن ومؤمنة ؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- هو المتبوع المطاع لا التابع المطيع . قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أحمد في مسنده .

التالي السابق


الخدمات العلمية