صفحة جزء
باب ما جاء في الاضطجاع بعد ركعتي الفجر

420 حدثنا بشر بن معاذ العقدي حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر فليضطجع على يمينه قال وفي الباب عن عائشة قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه وقد روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر في بيته اضطجع على يمينه وقد رأى بعض أهل العلم أن يفعل هذا استحبابا
قوله : ( حدثنا بشر ) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ( بن معاذ العقدي ) بفتح العين المهملة والقاف أبو سهل البصري الضرير صدوق من العاشرة ( أخبرنا عبد الواحد بن زياد ) العبدي البصري قال الحافظ في مقدمة فتح الباري : قال ابن معين : أثبت أصحاب الأعمش شعبة وسفيان ، ثم أبو معاوية ، ثم عبد الواحد بن زياد وعبد الواحد ثقة وأبو معاوية أحب إلي منه ، ووثقه أبو زرعة وأبو حاتم وأبو سعد والنسائي وأبو داود والعجلي والدارقطني حتى قال ابن عبد البر : لا خلاف بينهم أنه ثقة ثبت كذا قال . وقد أشار يحيى القطان إلى لينه فروى ابن المديني عنه أنه قال : ما رأيته طلب حديثا قط وكنت أذاكره لحديث الأعمش فلا يعرف منه حرفا ، قال الحافظ : وهذا غير قادح ؛ لأنه كان صاحب كتاب وقد احتج به الجماعة ، انتهى ( إذا صلى أحدكم ركعتي الفجر ) يعني سنة الفجر كما يشهد له حديث عائشة قاله الطيبي يعني بحديث عائشة الذي أخرجه الشيخان بلفظ : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فيما بين أن يفرغ من صلاة العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة الحديث ، وفي آخره فإذا سكت المؤذن من أذان الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ، ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للإقامة فيخرج ( فليضطجع على شقه الأيمن ) هذا نص صريح في مشروعية الاضطجاع بعد سنة الفجر لكل أحد المتهجد وغيره وهو الحق .

قوله : ( وفي الباب عن عائشة ) أخرجه الشيخان وتقدم لفظه آنفا وفي رواية : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى ركعتي الفجر اضطجع على شقه الأيمن ، وفي رواية : كان إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع ، وفي الباب أحاديث أخرى .

قوله : ( حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ) وأخرجه أحمد وأبو [ ص: 395 ] داود وابن ماجه ، قال في النيل : رجاله رجال الصحيح ، وقال النووي في شرح مسلم : إسناده على شرط الشيخين ، وكذلك قال الشيخ أبو يحيى زكريا الأنصاري في فتح العلام أن إسناده على شرط الشيخين .

فإن قلت : كيف يكون حديث أبي هريرة هذا حسنا صحيحا وكيف يكون إسناده إلى الأعمش على شرط الشيخين وفيه الأعمش وهو مدلس وقد رواه عن أبي صالح بالعنعنة . قلت : نعم هو مدلس لكن عنعنته عن أبي صالح محمولة على الاتصال . قال الحافظ الذهبي في الميزان : هو يدلس وربما دلس عن ضعيف ولا يدري به فمتى قال : أخبرنا فلان فلا كلام ومتى قال : عن ، تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وابن وائل وأبي صالح السمان فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال ، انتهى .

فإن قلت : قال ابن القيم في زاد المعاد بعد ذكر حديث أبي هريرة : سمعت ابن تيمية يقول : هذا باطل وليس بصحيح ، وإنما الصحيح عنه الفعل والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه .

قلت : تفرد عبد الواحد بن زياد به غير قادح في صحته فإنه ثقة ثبت قد احتج به الأئمة الستة وهو من أثبت أصحاب الأعمش كما عرفت من عبارة مقدمة الفتح ، فقول الإمام ابن تيمية هذا باطل وليس بصحيح إلخ ليس بصحيح ، كيف وقد صححه الترمذي وهو من أئمة الشأن ، وقال النووي وغيره : إسناده على شرط الشيخين ، وأما قول يحيى القطان : ما رأيته طلب حديثا قط وكنت أذاكره الحديث فلا يعرف منه حرفا فغير قادح أيضا فإنه كان صاحب كتاب ، وقد احتج به كما عرفت فيما سبق ، والحاصل أن حديث أبي هريرة صحيح وكل ما ضعفوه به فهو مدفوع .

قوله : ( وقد روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى ركعتي الفجر في بيته اضطجع على يمينه ) قد تقدم تخريجه واستدل بهذه الرواية على استحباب الاضطجاع في البيت دون المسجد ، وهو محكي عن ابن عمر وقواه بعض شيوخنا بأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد ، وصح عن ابن عمر أنه كان يحصب من يفعله في المسجد ، أخرجه ابن أبي شيبة انتهى كلام الحافظ ، قلت : حديث أبي هريرة المذكور في هذا الباب مطلق فبإطلاقه يثبت استحباب الاضطجاع في البيت وفي [ ص: 396 ] المسجد ، فحيث يصلي سنة الفجر يضطجع هناك إن صلى في البيت فيضطجع في البيت وإن صلى في المسجد ففي المسجد وإنما لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله في المسجد ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي سنة الفجر في البيت فكان يضطجع في البيت .

قوله : ( وقد رأى بعض أهل العلم أن يفعل هذا ) أي الاضطجاع بعد سنة الفجر ( استحبابا ) أي على طريق الاستحباب دون الوجوب ، وإن كان ظاهر الأمر في حديث أبي هريرة المذكور الوجوب ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على هذا الاضطجاع كما يدل عليه رواية عائشة : كان إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنت مستيقظة حدثني وإلا اضطجع . قال الحافظ في الفتح : وبذلك احتج الأئمة على عدم الوجوب ، وحملوا الأمر الوارد بذلك في حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره على الاستحباب ، قال : وأفرط ابن حزم فقال : يجب على كل أحد جعله شرطا لصلاة الصبح ، ورده عليه العلماء بعده حتى طعن ابن تيمية ومن تبعه في صحة الحديث لتفرد عبد الواحد بن زياد به ، وفي حفظه مقال ، والحق أنه تقوم به الحجة ، انتهى كلام الحافظ . وللعلماء في هذا الاضطجاع أقوال .

الأول : أنه مشروع على سبيل الاستحباب كما حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم وهو قول أبي موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبي هريرة . قال الحافظ ابن القيم في زاد المعاد : قد ذكر عبد الرزاق . في المصنف عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن أبا موسى ورافع بن خديج وأنس بن مالك رضي الله عنهم كانوا يضطجعون بعد ركعتي الفجر ويأمرون بذلك ، وقال العراقي : ممن كان يفعل ذلك أو يفتي به عن الصحابة أبو موسى الأشعري ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة ، انتهى . ومن قال به من التابعين محمد بن سيرين وعروة بن الزبير كما في شرح المنتقى . وقال أبو محمد علي بن حزم في المحلى : وذكر عبد الرحمن بن زيد في كتاب السبعة أنهم يعني : سعيد بن المسيب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وعروة بن الزبير وأبا بكر هو ابن عبد الرحمن ، وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عتبة بن سليمان بن يسار كانوا يضطجعون على أيمانهم بين ركعتي الفجر وصلاة الصبح ، انتهى . وممن قال به من الأئمة الشافعي وأصحابه . قال العيني في عمدة القاري : ذهب الشافعي وأصحابه إلى أنه سنة ، انتهى .

والقول الثاني : أن هذا الاضطجاع واجب لا بد من الإتيان به وهو قول أبي محمد علي بن حزم الظاهري كما قال في المحلى : كل من ركع ركعتي الفجر لم يجز له صلاة الصبح إلا بأن يضطجع على جنبه الأيمن بين سلامه من ركعتي الفجر وبين تكبيره لصلاة الصبح ، فإن لم يصل [ ص: 397 ] ركعتي الفجر لم يلزمه أن يضطجع ، فإن عجز عن الضجعة على اليمين لخوف أو مرض أو غير ذلك أشار إلى ذلك حسب طاقته ، ثم قال بعد هذا . قال علي : قد أوضحنا أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كله على الفرض حتى يأتي نص آخر أو إجماع متيقن على أنه ندب فنقف عنده ، وإذا تنازع الصحابة رضي الله عنهم فالرد إلى كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، انتهى .

قلت : قد عرفت أن الأمر الوارد في حديث أبي هريرة محمول على الاستحباب ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يداوم على الاضطجاع فلا يكون واجبا ، فضلا عن أن يكون شرطا لصحة صلاة الصبح ، وقد مال العلامة الشوكاني إلى الوجوب ، حيث قال في آخر بحث الاضطجاع : وعلمت بما أسلفنا لك من أن تركه صلى الله عليه وسلم لا يعارض الأمر للأمة الخاص بهم ولاح لك قوة القول بالوجوب .

والقول الثالث : أن هذا الاضطجاع بدعة ومكروه : وممن قال به من الصحابة ابن مسعود وابن عمر على اختلاف عنه .

والقول الرابع : أنه خلاف الأولى . روى ابن أبي شيبة عن الحسن أنه كان لا يعجبه الاضطجاع بعد ركعتي الفجر .

والقول الخامس : التفرقة بين من يقوم الليل فيستحب له ذلك للاستراحة وبين غيره فلا يشرع له واختاره ابن العربي وقال لا يضطجع بعد ركعتي الفجر لانتظار الصلاة إلا أن يكون قام الليل فيضطجع استجماما لصلاة الصبح فلا بأس ، ويشهد لهذا ما رواه الطبراني وعبد الرزاق عن عائشة أنها كانت تقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليله فيستريح ، وهذا لا تقوم به حجة ، أما أولا فلأن في إسناده راويا لم يسم كما قال الحافظ ، وأما ثانيا فلأن ذلك منها ظن وتخمين وليس بحجة ، وقد روت أنه كان يفعله والحجة في فعله ، وقد ثبت أمره به فتأكدت بذلك مشروعيته .

وقد أجاب من لم ير مشروعية الاضطجاع عن أحاديث الباب بأجوبة كلها مخدوشة ، فإن شئت الوقوف عليها وعلى ما فيها من الخدشات فعليك أن تطالع فتح الباري والنيل وغيرهما . والقول الراجح المعول عليه هو أن الاضطجاع بعد سنة الفجر مشروع على طريق الاستحباب والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية