صفحة جزء
3935 حدثنا قتيبة حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاكم أهل اليمن هم أضعف قلوبا وأرق أفئدة الإيمان يمان والحكمة يمانية وفي الباب عن ابن عباس وابن مسعود قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح
قوله : ( أخبرنا عبد العزيز بن محمد ) هو الدراوردي ( عن محمد بن عمرو ) بن علقمة بن وقاص الليثي ( عن أبي سلمة ) بن عبد الرحمن بن عوف . قوله : " هم أضعف قلوبا " ، وفي رواية لمسلم : " هم ألين قلوبا " " وأرق أفئدة " جمع فؤاد ، وأرق أفعل التفضيل من الرقة وهي ضد القساوة ، قال النووي : المشهور أن الفؤاد هو القلب فعلى هذا يكون كرر لفظ القلب بلفظين ، وهو أولى من تكريره بلفظ واحد ، وقيل : الفؤاد غير القلب وهو عين القلب ، وقيل : باطن القلب ، وقيل : غشاء القلب ، وأما وصفها باللين والرقة والضعف فمعناه أنها ذات خشية واستكانة سريعة الاستجابة والتأثر بقوارع التذكير سالمة من الغلظ والشدة ، والقسوة التي وصف بها قلوب الآخرين . قوله : " الإيمان يمان ، والحكمة يمانية " وقع في رواية لمسلم : " الإيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية " ، قال الحافظ في الفتح : ظاهره نسبة الإيمان إلى اليمن ؛ لأن أصل يمان يمني فحذفت ياء النسب وعوض بالألف بدلها ، وقوله يمانية هو بالتخفيف ، وحكى ابن السيد في الاقتضاب أن التشديد لغة ، وحكى الجوهري وغيره أيضا عن سيبويه جواز التشديد في يماني وأنشد :


يمانيا يظل يشد كيرا وينفخ دائما لهب الشواظ

واختلف في المراد به ، فقيل : معناه نسبة الإيمان إلى مكة ؛ لأن مبدأه منها ، ومكة يمانية بالنسبة إلى المدينة ، وقيل : المراد نسبة الإيمان إلى مكة ، والمدينة وهما يمانيتان بالنسبة للشام بناء على أن هذه المقالة صدرت من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو حينئذ بتبوك ، ويؤيده قوله في حديث جابر عند مسلم : والإيمان في أهل الحجاز ، وقيل : المراد بذلك الأنصار ؛ لأن أصلهم من اليمن ونسب الإيمان إليهم لأنهم كانوا الأصل في نصر الذي جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- حكى جميع ذلك أبو عبيدة في غريب الحديث له ، وتعقبه ابن [ ص: 302 ] الصلاح بأنه لا مانع من إجراء الكلام على ظاهره ، وأن المراد تفضيل أهل اليمن على غيرهم من أهل المشرق ، والسبب في ذلك إذعانهم إلى الإيمان من غير كبير مشقة على المسلمين بخلاف أهل المشرق وغيرهم ، ومن اتصف بشيء وقوي قيامه به نسب إليه إشعارا بكمال حاله فيه ، ولا يلزم من ذلك نفي الإيمان عن غيرهم ، وفي ألفاظه أيضا ما يقتضي أنه أراد به أقواما بأعيانهم فأشار إلى من جاء منهم لا إلى بلد معين ، لقوله في بعض طرقه في الصحيح : " أتاكم أهل اليمن ; هم ألين قلوبا وأرق أفئدة ، الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، ورأس الكفر قبل المشرق " ، ولا مانع من إجراء الكلام على ظاهره وحمل أهل اليمن على حقيقته ، ثم المراد بذلك الموجود منهم حينئذ لا كل أهل اليمن في كل زمان ، فإن اللفظ لا يقتضيه ، قال : والمراد بالفقه الفهم في الدين ، والمراد بالحكمة العلم المشتمل على المعرفة بالله . انتهى ما في الفتح ، وقال النووي في شرح مسلم نقلا عن ابن الصلاح : في تفسير الحكمة أقوال كثيرة مضطربة قد اقتصر كل من قائلها على بعض صفات الحكمة ، وقد صفا لنا منها أن الحكمة عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تبارك وتعالى ، المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق ، والعمل به ، والصد عن اتباع الهوى ، والباطل ، والحكيم من له ذلك ، وقال أبو بكر بن دريد : كل كلمة وعظتك ، أو زجرتك ، أو دعتك إلى مكرمة ، أو نهتك عن قبيح فهي حكمة ، وحكم ومنه قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : إن من الشعر حكمة ، وفي بعض الروايات " حكما " . انتهى . قوله : ( وفي الباب عن ابن عباس وأبي مسعود ) . أما حديث ابن عباس فأخرجه البزار وفيه الحسين بن عيسى بن مسلم الحنفي وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية رجاله رجال الصحيح ، قاله الهيثمي : وأما حديث أبي مسعود فأخرجه الشيخان ووقع في بعض النسخ ابن مسعود مكان أبي مسعود ، وأخرج حديثه الطبراني عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : الإيمان يمان ; ومضر عند أذناب الإبل وفيه عيسى بن قرطاس وهو متروك . قوله : ( هذا حديث حسن صحيح ) وأخرجه الشيخان .

التالي السابق


الخدمات العلمية