صفحة جزء
أبواب العيدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب ما جاء في المشي يوم العيد

530 حدثنا إسمعيل بن موسى الفزاري حدثنا شريك عن أبي إسحق عن الحارث عن علي بن أبي طالب قال من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا وأن تأكل شيئا قبل أن تخرج قال أبو عيسى هذا حديث حسن والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيا وأن يأكل شيئا قبل أن يخرج لصلاة الفطر قال أبو عيسى ويستحب أن لا يركب إلا من عذر
( باب في المشي يوم العيد ) أصل العيد عود ؛ لأنه مشتق من عاد يعود عودا ، وهو الرجوع ، قلبت الواو ياء كما في الميزان والميقات ، وسميا عيدين لكثرة عوائد الله تعالى فيهما ، وقيل : لأنهم يعودون إليه مرة بعد أخرى ، قاله العيني .

قوله : ( حدثنا إسماعيل بن موسى ) هو الفزاري أنبأنا ( شريك ) بن عبد الله الكوفي النخعي صدوق يخطئ كثيرا تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ( عن أبي إسحاق ) هو السبيعي ( عن الحارث ) هو الأعور .

قوله : ( من السنة أن تخرج إلى العيد ماشيا ) هذا له حكم الرفع ، وفيه دليل على أن الخروج إلى العيد ماشيا من السنة ، والحديث -وإن كان ضعيفا لكن قد ورد في هذا الباب أحاديث ضعاف أخرى تؤيده ، كما ستعرف ( وأن تأكل شيئا قبل أن تخرج ) هذا مختص بعيد الفطر ، وأما عيد الأضحى فلا يأكل حتى يصلي لما سيأتي .

قوله : ( هذا حديث حسن ) في كونه كذلك نظر ؛ لأن في سنده الحارث الأعور وقد عرفت حاله .

وفي الباب عن ابن عمر وعن سعد القرظ وعن أبي رافع وعن سعد بن أبي وقاص . فأما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه عنه قال : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخرج إلى العيد ماشيا ويرجع ماشيا ، وفي إسناده عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر العمري كذبه أحمد ، وقال أبو [ ص: 58 ] زرعة وأبو حاتم والنسائي : متروك ، وقال البخاري : ليس مما يروى عنه .

وأما حديث سعد القرظ فأخرجه أيضا ابن ماجه بنحو حديث ابن عمر وفي إسناده عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ عن أبيه عن جده ، وقد ضعفه ابن معين . وأبوه سعد بن عمار ، قال في الميزان : لا يكاد يعرف ، وجده عمار بن سعد قال فيه البخاري : لا يتابع على حديثه ، وذكره ابن حبان في الثقات .

وأما حديث أبي رافع فأخرجه أيضا ابن ماجه عنه : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأتي العيد ماشيا ، وفي إسناده مندل بن علي ومحمد بن عبد الله بن أبي رافع ، ومندل متكلم فيه ، ومحمد قال البخاري : منكر الحديث ، وقال ابن معين : ليس بشيء .

وأما حديث سعد بن أبي وقاص فأخرجه البزار في مسنده ، ذكره الشوكاني في النيل وهو أيضا ضعيف .

قوله : ( والعمل على هذا الحديث عند أكثر أهل العلم : يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشيا ، وأن لا يركب إلا من عذر ) وعليه العمل عند الحنفية أيضا ، واستدلوا على ذلك بأحاديث الباب . وقد استدل الحافظ العراقي لاستحباب المشي في صلاة العيد بعموم حديث أبي هريرة المتفق عليه . أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : إذا أتيتم الصلاة فأتوها وأنتم تمشون . فهذا عام في كل صلاة تشرع فيها الجماعة كالصلوات الخمس والجمعة والعيدين والكسوف والاستسقاء .

قال : وقد ذهب أكثر العلماء إلى أنه يستحب أن يأتي إلى صلاة العيد ماشيا ، فمن الصحابة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ، ومن التابعين إبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز ، ومن الأئمة سفيان الثوري والشافعي وأحمد وغيرهم . ويستحب أيضا المشي في الرجوع كما في حديث ابن عمر وسعد القرظ . وروى البيهقي في حديث الحارث عن علي أنه قال : من السنة أن تأتي العيد ماشيا ثم تركب إذا رجعت .

قال العراقي : وهذا أمثل من حديث ابن عمر وسعد القرظ ، وهو الذي ذكره أصحابنا يعني الشافعية . وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه بابا لهذه المسألة بلفظ : باب المشي والركوب إلى العيد بغير أذان ولا إقامة ، وليس فيما ذكره من الأحاديث ما يدل على مشي ولا ركوب .

قال [ ص: 59 ] الحافظ في الفتح : لعله أشار بذلك إلى تضعيف ما ورد في الندب إلى المشي ثم ذكر حديث الباب وحديث سعد القرظ وحديث أبي رافع ثم قال : وأسانيد الثلاثة ضعاف ، انتهى .

قلت : أحاديث الباب وإن كانت ضعافا لكنها بعضها يعتضد ببعض ويؤيدها عموم حديث أبي هريرة المتفق عليه المذكور ، فالقول الراجح ما ذهب إليه أكثر أهل العلم ، والله تعالى أعلم .

فائدة :

أخرج الدارقطني ثم البيهقي في سننهما عن نافع عن ابن عمر أنه كان إذا غدا يوم الفطر ويوم الأضحى يجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى ، ثم يكبر حتى يأتي الإمام ، انتهى . قال البيهقي : الصحيح وقفه على ابن عمر ، وقد روي مرفوعا وهو ضعيف . كذا في الدراية ونصب الراية .

فائدة ثانية :

روى مالك في الموطأ عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلى . وقد روي في الاغتسال للعيدين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أحاديث كلها ضعيف . قال الحافظ في الدراية : روى ابن ماجه من طريق عبد الرحمن بن عقبة بن الفاكه عن جده ، وكانت له صحبة : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل يوم الفطر ويوم النحر ويوم عرفة . وأخرجه عبد الله بن أحمد في زياداته ، والبزار وزاد : يوم الجمعة وإسناده ضعيف ، ولابن ماجه عن ابن عباس : كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يغتسل يوم الفطر ويوم الأضحى ، وإسناده ضعيف ، وللبزار عن أبي رافع أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل للعيدين . وإسناده ضعيف انتهى ما في الدراية .

فائدة أخرى :

روى ابن أبي الدنيا والبيهقي بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين ، كذا في فتح الباري . وقال محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام : يندب لبس أحسن الثياب ، والتطيب بأجود الأطياب في يوم العيد ؛ لما أخرجه الحاكم من حديث الحسن السبط قال : أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العيدين أن نلبس أجود ما نجد ، وأن نتطيب بأجود ما نجد ، وأن نضحي بأسمن ما نجد ؛ البقرة عن سبعة ، والجزور عن عشرة ، وأن نظهر التكبير والسكينة والوقار .

قال الحاكم بعد إخراجه من طريق إسحاق بن بزرج : لولا جهالة إسحاق لحكمت للحديث بالصحة . قال محمد بن إسماعيل الأمير : وليس بمجهول فقد ضعفه الأزدي ووثقه ابن حبان . ذكره في التلخيص انتهى .

وقد استدل البخاري على التجمل في العيدين بحديث ابن عمر قال : أخذ عمر جبة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال : يا رسول الله ، ابتع هذه تجمل بها [ ص: 60 ] للعيد والوفود ، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " إنما هذه لباس من لا خلاق له " الحديث ، ووجه الاستدلال به من جهة تقريره -صلى الله عليه وسلم- لعمر على أصل التجمل للعيد وقصر الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية