صفحة جزء
[ ص: 346 ] يعقوب

الوزير الكبير ، الزاهد ، الخاشع أبو يعقوب بن داود بن طهمان الفارسي الكاتب .

كان والده كاتبا للأمير نصر بن سيار ، متولي خراسان ، فلما خرج هناك يحيى بن زيد بن علي بن الحسين بعد مصرع أبيه زيد ، كان داود يناصح يحيى سرا ، ثم قتل يحيى ، وظهر أبو مسلم صاحب الدعوة ، وطلب بدم يحيى ، وتتبع قتلته ، فجاءه داود مطمئنا إليه ، فطالبه بمال ، ثم أمنه ، وتخرج أولاده في الآداب وهلك أبوهم ، ثم أظهروا مقالة الزيدية ، وانضموا إلى آل حسن ، ونزحوا ظهورهم .

وجال يعقوب بن داود في البلاد ، ثم صار أخوه علي بن داود كاتبا لإبراهيم بن عبد الله الثائر بالبصرة ، فلما قتل إبراهيم اختفوا مدة ، ثم ظفر المنصور بهذين فسجنهما ، ثم استخلف المهدي فمن عليهما ، وكان معهما في المطبق إسحاق بن الفضل الهاشمي فلزماه ، وبقي المهدي يتطلب عيسى بن زيد بن علي ، والحسن بن إبراهيم بن عبد الله بن حسن ، فأخبر بأن يعقوب يدري ، فأدخل عليه يعقوب في عباءة وعمامة قطن ففاتحه ، فوجده من نبلاء الرجال ، فسأله عن عيسى ، فقيل : وعده بأن يدخل بينه وبينه ، فعظمه المهدي وملأ عينه ، واختص به ، ولم يزل في ارتقاء ، وتقدم حتى وزر له ، ففوض إليه أزمة الأمور ، وتمكن ، فولى الزيدية المناصب ، حتى قال بشار بن برد :

بني أمية هبوا طال نومكم إن الخليفة يعقوب بن داود

[ ص: 347 ]

ضاعت خلافتنا يا قوم فاطلبوا     خليفة الله بين الدن والعود

ثم إن الخواص حسدوا يعقوب ، وسعوا فيه عند المهدي .

ومما عظم به يعقوب عند المهدي ، أنه أحضر له الحسن بن إبراهيم بن عبد الله ، فجمع بينهما بمكة ، وبايعه ، فتألم بنو حسن من صنيع يعقوب ، وعرف هو أنهم إن ملكوا ، أهلكوه ، وكثرت السعاة ، فمال إلى إسحاق بن الفضل ، وسعوا إلى المهدي ، وقالوا : الممالك في قبضة يعقوب وأصحابه ، ولو كتب إليهم ، لثاروا في وقت على ميعاد ، فيملكوا الأرض ، ويستخلف إسحاق . فملأ هذا الكلام مسامع المهدي ، وقف شعره .

فعن بعض خدم المهدي أنه كان قائما على رأس المهدي ، إذ دخل يعقوب ، فقال : يا أمير المؤمنين قد عرفت اضطراب أمر مصر ، وأمرتني أن ألتمس لها رجلا ، وقد وجدته . قال : ومن ؟ قال : ابن عمك إسحاق بن الفضل . فتغير المهدي ، وفطن يعقوب فخرج . فقال المهدي : قتلني الله إن لم أقتلك . ثم نظر إلي ، وقال : ويلك ، اكتم هذا .

وقيل : كان يعقوب قد عرف أخلاق المهدي ونهمته في النساء ، فكان يباسطه . فروى علي بن يعقوب ، عن أبيه قال : بعث إلي المهدي فدخلت ، فإذا هو في مجلس مفروش وبستان فيه من أنواع الزهر ، وعنده جارية لم أر مثلها . فقال : كيف ترى؟ قلت : متع الله أمير المومنين ، لم أر كاليوم . فقال : هو لك بما حوى ، والجارية ، ولي حاجة . قلت : الأمر لك . فحلفني بالله فحلفت ، وقال ضع يدك على رأسي واحلف ، ثم قال : هذا فلان من ولد فاطمة أرحني منه وأسرع . قلت : نعم ، فأخذته ، وذهبت بالجارية والمفارش ، وأمر لي بمائة ألف ، [ ص: 348 ] فمضيت بالجميع ، فلشدة سروري بالجارية تركتها معي ، وكلمت العلوي ، فقال : ويحك ، تلقى الله غدا بدمي ، وأنا ابن بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . فقلت : هل فيك خير ؟ قال : نعم ولك عندي دعاء واستغفار . فأعطيته مالا ، وهيأت معه من يوصله في الليل ، فإذا الجارية قد حفظت علي قولي ، فبعثت به إلى المهدي ، فسخر الطرق برجال ، فجاءوه بالعلوي ، فلما أصبحنا ، دخلت على المهدي ، فإذا العلوي ، فبهت . فقال : حل دمك ، ثم حبسني دهرا في المطبق ، وأصيب بصري ، وطال شعري . قال : فإني لكذلك إذ دعي به فمضوا بي فقيل لي : سلم على أمير المؤمنين وقد عميت . فسلمت ، فقال : من أنا ؟ قلت : المهدي . قال : رحم الله المهدي . قلت : فالهادي . قال : رحم الله الهادي . قلت : فالرشيد . قال : نعم ، سل حاجتك . قلت : المجاورة بمكة . قال : نفعل ، فهل غير هذا ؟ قلت : ما بقي في مستمتع . قال : فراشدا . فخرجت إلى مكة . قال ابنه : فلم يطول . قلت : مات بها سنة اثنتين وثمانين ومائة .

وعن يعقوب الوزير قال : كان المهدي لا يحب النبيذ ، لكنه يتفرج على غلمانه فيه فألومه ، وأقول : على ماذا استوزرتني ؟ أبعد الصلوات في الجامع يشرب النبيذ عندك ، وتسمع السماع ؟ فيقول : قد سمعه عبد الله بن جعفر . فأقول : ليس ذا من حسناته .

وقال عبيد الله بن يعقوب : ألح أبي على المهدي في السماع وضجر من الوزارة ، ونوى الترك . وكان يقول : لخمر أشربه وأتوب منه أحب إلي من الوزارة ، وإني [ ص: 349 ] لأركب إليك يا أمير المؤمنين ، فأتمنى يدا خاطئة تصيبني ، فأعفني ، وول من شئت ، فإني أحب أن أسلم عليك أنا وولدي ، فما أتفرغ ، وليتني أمور الناس ، وإعطاء الجند ، وليس دنياك عوضا من ديني . فيقول : اللهم أصلح قلبه . وقال شاعر :

فدع عنك يعقوب بن داود جانبا     وأقبل على صهباء طيبة النشر

ولما عزله المهدي ، عزل أصحابه ، وسجن عدة من آله وغلمانه وأعوانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية