صفحة جزء
أخبرنا أبو الفداء إسماعيل بن عبد الرحمن المعدل أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الله بن أحمد المقدسي سنة ست عشرة وستمائة ، أخبرنا هبة الله بن الحسن الدقاق ، أخبرنا أبو الفضل عبد الله بن علي بن زكري حدثنا علي بن محمد المعدل ، قال : حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز حدثنا سعدان بن نصر : حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن ابن عون : حدثنا القاسم بن محمد ، عن عائشة رضي الله عنها - ، أنها قالت : من زعم أن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى ربه ، فقد أعظم الفرية على الله - تعالى - ، ولكنه رأى جبريل مرتين في صورته ، وخلقه سادا ما بين الأفق . [ ص: 167 ]

هذا حديث صحيح الإسناد . ولم يأتنا نص جلي بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله - تعالى - بعينيه . وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها ، فأما رؤية المنام ، فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة ، وأما رؤية الله عيانا في الآخرة ، فأمر متيقن تواترت به النصوص . جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما .

أبو الحسن المدائني ، عن يزيد بن عياض ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، قال : دخل عيينة بن حصن على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعنده عائشة ، وذلك قبل أن يضرب الحجاب ، فقال : من هذه الحميراء يا رسول الله ؟ قال : هذه عائشة بنت أبي بكر . قال : أفلا أنزل لك عن أجمل النساء ؟ قال : لا ، فلما خرج ، قالت عائشة : من هذا يا رسول الله ؟ قال : هذا الأحمق المطاع في قومه .

هذا حديث مرسل ، ويزيد متروك وما أسلم عيينة إلا بعد نزول الحجاب .

وقد قيل : إن كل حديث فيه : يا حميراء ، لم يصح . وأوهى ذلك [ ص: 168 ] تشميس الماء ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها : لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص ، فإنه خبر موضوع . والحمراء ، في خطاب أهل الحجاز : هي البيضاء بشقرة ، وهذا نادر فيهم ، ومنه في الحديث : رجل أحمر كأنه من الموالي يريد القائل أنه في لون الموالي الذين سبوا من نصارى الشام والروم والعجم .

ثم إن العرب إذا قالت : فلان أبيض ، فإنهم يريدون الحنطي اللون بحلية سوداء ، فإن كان في لون أهل الهند ، قالوا : أسمر وآدم ، وإن كان في سواد التكرور ، قالوا : أسود ، وكذا كل من غلب عليه السواد . قالوا : أسود ، أو شديد الأدمة . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : بعثت إلى الأحمر والأسود ، فمعنى ذلك : أن بني آدم لا ينفكون عن أحد الأمرين . وكل [ ص: 169 ] لون بهذا الاعتبار يدور بين السواد والبياض ، الذي هو الحمرة .

أحمد في " مسنده " حدثنا عباد بن عباد ، عن هشام ، عن أبيه ، عن عائشة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول لها : إني أعرف غضبك إذا غضبت ورضاك إذا رضيت . قالت : وكيف تعرف ؟ قال : إذا غضبت قلت : يا محمد . وإذا رضيت قلت : يا رسول الله .

هذا حديث غريب ، والمحفوظ ما أخرجا في " الصحيحين " لأبي أسامة ، عن هشام بلفظ : إني لأعلم إذا كنت عني راضية وإذا كنت علي غضبى . قالت : وكيف يا رسول الله ؟ قال : إذا كنت عني راضية ، قلت : لا ورب محمد . وإذا كنت علي غضبى ، قلت : لا ورب إبراهيم . قلت : أجل والله ، ما أهجر إلا اسمك .

تابعه علي بن مسهر . وأخرج النسائي حديث علي .

هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة : أنها استعارت قلادة في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانسلت منها . وكان ذلك المكان يقال له : الصلصل ، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فطلبوها حتى وجدوها . وحضرت الصلاة ، ولم [ ص: 170 ] يكن معهم ماء ، فصلوا بغير وضوء ، فأنزل الله آية التيمم ، فقال لها أسيد بن الحضير : جزاك الله خيرا ، فوالله ما نزل بك أمر قط تكرهينه إلا جعل الله لك فيه خيرا .

رواه ابن نمير ، وعلي بن مسهر عنه .

مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره ، حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش ، انقطع عقدي ، فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه ، وأقام الناس معه وليسوا على ماء ، فأتى الناس أبا بكر رضي الله عنه ، فقالوا : ما ترى ما صنعت عائشة ، أقامت برسول الله وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء ! قالت : فعاتبني أبو بكر ، فقال ما شاء الله أن يقول ، وجعل يطعن بيده في خاصرتي ، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان النبي صلى الله عليه وسلم على فخذي ، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء ، فأنزل الله آية التيمم ، فتيمموا . فقال أسيد بن حضير - وهو أحد النقباء : ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر ! قالت : فبعثنا البعير الذي كنت عليه ، فوجدنا العقد تحته متفق عليه . [ ص: 171 ]

وفي " مسند أحمد " من طريق محمد بن إسحاق : حدثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بتربان - بلد بينه وبين المدينة بريد وأميال ، وهو بلد لا ماء به - وذلك من السحر ، انسلت قلادة من عنقي ، فوقعت ، فحبس علي رسول الله صلى الله عليه وسلم لالتماسها حتى طلع الفجر ، وليس مع القوم ماء ، فلقيت من أبي ما الله به عليم من التعنيف والتأفيف . وقال : في كل سفر للمسلمين منك عناء وبلاء ، فأنزل الله الرخصة في التيمم ، فتيمم القوم ، وصلوا .

قالت : يقول أبي حين جاء من الله من الرخصة للمسلمين : والله ما علمت يا بنية إنك لمباركة ! ماذا جعل الله للمسلمين في حبسك إياهم من البركة واليسر
.

التالي السابق


الخدمات العلمية