صفحة جزء
أسامة بن زيد ( ع )

ابن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس ، المولى الأمير الكبير [ ص: 497 ] حب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ومولاه ، وابن مولاه .

أبو زيد ، ويقال : أبو محمد ، ويقال : أبو حارثة ، وقيل : أبو يزيد .

استعمله النبي - صلى الله عليه وسلم- على جيش لغزو الشام ، وفي الجيش عمر والكبار ; فلم يسر حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فبادر الصديق ببعثهم ، فأغاروا على أبنى ، من ناحية البلقاء . وقيل : إنه شهد يوم مؤتة مع والده . وقد سكن المزة مدة ; ثم رجع إلى المدينة ، فمات بها . وقيل : مات بوادي القرى .

حدث عنه أبو هريرة ، وابن عباس ، وأبو وائل ، وأبو عثمان النهدي ، وعروة بن الزبير ، وأبو سلمة ، وأبو سعيد المقبري ، وعامر بن سعد ، وأبو ظبيان ، وعطاء بن أبي رباح ، وعدة ، وابناه : حسن ، ومحمد .

ثبت عن أسامة قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يأخذني والحسن ، فيقول : اللهم ، إني أحبهما ، فأحبهما [ ص: 498 ]

قلت : هو كان أكبر من الحسن بأزيد من عشر سنين .

وكان شديد السواد ، خفيف الروح ، شاطرا ، شجاعا . رباه النبي - صلى الله عليه وسلم- وأحبه كثيرا .

وهو ابن حاضنة النبي ، صلى الله عليه وسلم : أم أيمن وكان أبوه أبيض . وقد فرح له رسول الله بقول مجزز المدلجي : إن هذه الأقدام بعضها من بعض .

أبو عوانة ، عن عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه : أخبرني أسامة بن زيد : أن عليا قال : يا رسول الله ، أي أهلك أحب إليك ؟ قال : فاطمة . قال : إنما أسألك عن الرجال ؟ قال : من أنعم الله عليه ، وأنعمت عليه : أسامة بن زيد . قال : ثم من ؟ قال : ثم أنت .

وروى مغيرة ، عن الشعبي : أن عائشة قالت : ما ينبغي لأحد أن يبغض أسامة ، بعدما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : من كان يحب الله ورسوله ، فليحب أسامة . [ ص: 499 ]

وقالت عائشة في شأن المخزومية التي سرقت ، فقالوا : من يجترئ على رسول الله يكلمه فيها إلا أسامة ، حب رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

موسى بن عقبة ، وغيره ، عن سالم ، عن ابن عمر ، قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : أحب الناس إلي أسامة ، ما حاشا فاطمة ولا غيرها .

قال زيد بن أسلم ، عن أبيه ، قال : فرض عمر لأسامة ثلاثة آلاف وخمس مائة ، وفرض لابنه عبد الله ثلاثة آلاف . فقال : لم فضلته علي ، فوالله ما سبقني إلى مشهد ؟ قال : لأن أباه كان أحب إلى رسول الله من أبيك ، وهو أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- منك ، فآثرت حب رسول الله على حبي .

حسنه الترمذي .

قال ابن عمر : أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أسامة ، فطعنوا في إمارته ; فقال : [ ص: 500 ] إن يطعنوا في إمارته ، فقد طعنوا في إمارة أبيه ، وايم الله إن كان لخليقا للإمارة ، وإن كان لمن أحب الناس إلي ، وإن ابنه هذا لمن أحب الناس إلي بعده .

قلت : لما أمره النبي - صلى الله عليه وسلم- على ذلك الجيش ، كان عمره ثماني عشرة سنة .

ابن سعد : حدثنا يزيد : حدثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أخر الإفاضة من عرفة من أجل أسامة ينتظره ، فجاء غلام أسود أفطس . فقال أهل اليمن : إنما جلسنا لهذا ، فلذلك ارتدوا . يعني أيام الردة .

قال وكيع : سلم من الفتنة من المعروفين : سعد ، وابن عمر ، وأسامة بن زيد ، ومحمد بن مسلمة .

قلت : انتفع أسامة من يوم النبي ، إذ يقول له : كيف بلا إله إلا [ ص: 501 ] الله يا أسامة فكف يده ، ولزم منزله ، فأحسن .

عائشة ، قالت : أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن يمسح مخاط أسامة ، فقلت : دعني حتى أكون أنا التي أفعل . فقال : يا عائشة ، أحبيه ، فإني أحبه .

قلت : كان سنه في سنها .

مجالد ، عن الشعبي ، عن عائشة : أمرني رسول الله أن أغسل وجه أسامة وهو صبي . قالت : وما ولدت ، ولا أعرف كيف يغسل الصبيان ، فآخذه ، فأغسله غسلا ليس بذاك . قالت : فأخذه فجعل يغسل وجهه ، ويقول : لقد أحسن بنا أسامة إذ لم يكن جارية ، ولو كنت جارية ، لحليتك وأعطيتك .

وفي " المسند " عن البهي ، عن عائشة : قال رسول الله : لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته حتى أنفقه .

ومن غير وجه ، عن عمر : أنه لم يلق أسامة قط إلا قال : السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله ، توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأنت علي أمير [ ص: 502 ] جرير بن حازم : حدثنا ابن إسحاق ، عن صالح بن كيسان ، عن عبيد الله بن عبد الله ، قال : رأيت أسامة بن زيد مضطجعا عند باب حجرة عائشة رافعا عقيرته يتغنى ، ورأيته يصلي عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم- فمر به مروان ، فقال : أتصلي عند قبر ! وقال له قولا قبيحا . فقال : يا مروان ، إنك فاحش متفحش ، وإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول : إن الله يبغض الفاحش المتفحش .

وقال قيس بن أبي حازم : إن رسول الله حين بلغه أن الراية صارت إلى خالد ، قال : فهلا إلي رجل قتل أبوه ؟ يعني أسامة .

إبراهيم بن طهمان ، عن عتبة بن عبد الله ، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال : دخلت على فاطمة بنت قيس ، وقد طلقها زوجها . . . الحديث . فلما حلت ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : هل ذكرك أحد ؟ قالت : نعم ، معاوية وأبو الجهم . فقال : أما أبو الجهم فشديد الخلق ، وأما معاوية فصعلوك ، لا مال له . ولكن أنكحك أسامة . فقلت : أسامة - تهاونا بأمر أسامة - ثم قلت : سمعا وطاعة لله ولرسوله .

فزوجنيه ، فكرمني الله بأبي زيد ، وشرفني الله ، ورفعني به
.

وروى معناه مالك ، عن عبد الله بن يزيد عن أبي سلمة عنها . [ ص: 503 ]

قال عروة بن الزبير : قال أبو بكر : والله لأن تخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . فبعث أسامة ، واستأذنه في عمر أن يتركه عنده .

قال : فلما بلغوا الشام ، أصابتهم ضبابة شديدة ، فسترتهم ، حتى أغاروا ، وأصابوا حاجتهم . فقدم على هرقل موت النبي - صلى الله عليه وسلم- وإغارة أسامة على أرضه في آن واحد . فقالت الروم : ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأن أغاروا على أرضنا .

ابن إسحاق ، عن سعيد بن عبيد بن السباق ، عن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، قال : لما ثقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- هبطت ، وهبط الناس المدينة ، فدخلت عليه ، وقد أصمت فلا يتكلم ، فجعل يضع يديه علي ، ثم يرفعهما ; فأعرف أنه يدعو لي .

أحمد في " مسنده " : حدثنا حجاج : أخبرنا شريك ، عن العباس بن ذريح ، عن البهي ، عن عائشة : أن أسامة عثر بأسكفة الباب ، فشج في جبهته ، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم- يمصه ، ثم يمجه ، وقال : لو كان أسامة جارية لكسوته وحليته ، حتى أنفقه [ ص: 504 ] شريك ، عن أبي إسحاق ، عن جبلة ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا لم يغز ، أعطى سلاحه عليا أو أسامة .

الزبير بن بكار ، : حدثنا محمد بن سلام ، عن يزيد بن عياض ، قال : أهدى حكيم بن حزام للنبي - صلى الله عليه وسلم- في الهدنة حلة ذي يزن ، اشتراها بثلاث مائة دينار . فردها ، وقال : لا أقبل هدية مشرك . فباعها حكيم . فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- من اشتراها له . فلبسها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فلما رآه حكيم فيها ، قال :

ما ينظر الحكام بالفصل بعدما بدا سابق ذو غرة وحجول



فكساها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد .

فرآها عليه حكيم ، فقال : بخ بخ يا أسامة ! عليك حلة ذي يزن ! .

فقال له رسول الله : قل له : وما يمنعني وأنا خير منه ، وأبي خير من أبيه
.

معمر ، عن الزهري ، قال : لقي علي أسامة بن زيد ، فقال : ما كنا نعدك إلا من أنفسنا يا أسامة ، فلم لا تدخل معنا ؟ قال : يا أبا حسن ، إنك والله لو أخذت بمشفر الأسد ، لأخذت بمشفره الآخر معك ، حتى نهلك جميعا ، أو نحيا جميعا ; فأما هذا الأمر الذي أنت فيه ، فوالله لا أدخل فيه [ ص: 505 ] أبدا .

روى نحوه عمرو بن دينار ، عن أبي جعفر ، عن حرملة مولى أسامة قال : بعثني أسامة إلى علي . . . فذكر نحوه .

أخبرنا إسماعيل بن عبد الرحمن العدل : أخبرنا عبد الله بن أحمد الفقيه : أخبرنا محمد بن عبد الباقي : أخبرنا علي بن الحسين البزار : أخبرنا أبو علي بن شاذان : أخبرنا أبو سهل بن زياد : حدثنا أحمد بن عبد الجبار : حدثنا يونس بن بكير ، عن محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أسامة بن محمد بن أسامة ، عن أبيه ، عن جده أسامة بن زيد ، قال : أدركت رجلا أنا ورجل من الأنصار ، فلما شهرنا عليه السيف ، قال : لا إله إلا الله . فلم ننزع عنه ، حتى قتلناه . فلما قدمنا على النبي - صلى الله عليه وسلم- أخبرناه خبره . فقال : يا أسامة ، من لك بلا إله إلا الله ؟ فقلنا : يا رسول الله ، إنما قالها تعوذا من القتل . قال : من لك يا أسامة بلا إله إلا الله ؟ فما زال يرددها ، حتى لوددت أن ما مضى من إسلامي لم يكن ، وأني أسلمت يومئذ ، ولم أقتله .

فقلت : إني أعطي الله عهدا ألا أقتل رجلا يقول : لا إله إلا الله ، أبدا . فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : بعدي يا أسامة ؟ قال : بعدك
. [ ص: 506 ]

رواه شيخ آخر ، عن أحمد بن عبد الجبار : فزاد فيه : قال : أدركته - يعني مرداس بن نهيك - أنا ورجل ; فلما شهرنا عليه السيف ، قال : أشهد أن لا إله إلا الله .

هشام الدستوائي : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني عمر بن الحكم بن ثوبان ، أن مولى قدامة بن مظعون حدثه : أن مولى أسامة قال : كان أسامة يركب إلى مال له بوادي القرى ، فيصوم الاثنين والخميس في الطريق .

فقلت له : تصوم الاثنين والخميس في السفر ، وقد كبرت وضعفت ، أو رققت ! فقال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يصوم الاثنين والخميس ، وقال : إن أعمال الناس تعرض يوم الاثنين والخميس .

يونس بن بكير : حدثنا ابن إسحاق ، عن بن ابن أسامة بن زيد ، عن جده أسامة ، قال : كنت أصوم شهرا من السنة ، فذكرته للنبي - صلى الله عليه وسلم- فقال : أين أنت عن شوال .

فكان أسامة إذا أفطر ، أصبح الغد صائما من شوال ، حتى يتم على [ ص: 507 ] آخره .

ابن أبي الدنيا : أخبرنا عمرو بن بكير ، عن أبي عبد الرحمن الطائي ، قال : قدم أسامة على معاوية ، فأجلسه معه ، وألطفه ، فمد رجله . فقال معاوية : يرحم الله أم أيمن ، كأني أنظر إلى ظنبوب ساقها بمكة ، كأنه ظنبوب نعامة خرجاء . فقال : فعل الله بك يا معاوية ، هي - والله- خير منك ! قال : يقول معاوية : اللهم غفرا .

الظنبوب : هو العظم الظاهر . والخرجاء : فيها بياض وسواد .

له في " مسند " بقي مائة وثمانية عشر حديثا ، منها في البخاري ومسلم خمسة عشر . وفي البخاري حديث . وفي مسلم حديثان .

قال الزهري : مات أسامة بالجرف .

وعن المقبري ، قال : شهدت جنازة أسامة ، فقال ابن عمر : عجلوا بحب رسول الله قبل أن تطلع الشمس .

قال ابن سعد : مات في آخر خلافة معاوية .

التالي السابق


الخدمات العلمية