ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا   . 
عطف على 
ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله بمناسبة تضاد الحالين . والمشاقة : المخالفة المقصودة ، مشتقة من الشق لأن المخالف كأنه يختار شقا يكون فيه غير شق الآخر . 
فيحتمل قوله 
من بعد ما تبين له الهدى أن يكون أراد به من بعد ما آمن بالرسول فتكون الآية وعيدا للمرتد . ومناسبتها هنا أن 
بشير بن أبيرق  صاحب القصة المتقدمة ،   
[ ص: 201 ] لما افتضح أمره ارتد ولحق 
بمكة ،  ويحتمل أن يكون مرادا به من بعد ما ظهر صدق الرسول بالمعجزات ، ولكنه شاقه عنادا ونواء للإسلام . 
وسبيل كل قوم طريقتهم التي يسلكونها في وصفهم الخاص ، فالسبيل مستعار للاعتقادات والأفعال والعادات ، التي يلازمها أحد ولا يبتغي التحول عنها ، كما يلازم قاصد المكان طريقا يبلغه إلى قصده ، قال تعالى 
قل هذه سبيلي   . ومعنى هذه الآية نظير معنى قوله 
إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم ، فمن اتبع سبيل المؤمنين في الإيمان واتبع سبيل غيرهم في غير الكفر مثل اتباع سبيل 
يهود خيبر   في غراسة النخيل ، أو بناء الحصون ، لا يحسن أن يقال فيه اتبع غير سبيل المؤمنين . 
وكأن فائدة عطف اتباع غير سبيل المؤمنين على مشاقة الرسول الحيطة لحفظ الجامعة الإسلامية بعد الرسول ، فقد ارتد بعض العرب بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - . 
وقال 
الحطيئة  في ذلك : 
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا فيا لعباد الله ما لأبي بكر 
فكانوا ممن اتبع غير سبيل المؤمنين ولم يشاقوا الرسول . 
ومعنى قوله 
نوله ما تولى الإعراض عنه ، أي نتركه وشأنه لقلة الاكتراث به ، كما ورد في الحديث : وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه . وقد شاع عند كثير من علماء أصول الفقه الاحتجاج بهذه الآية ، لكون 
إجماع علماء الإسلام على حكم من الأحكام حجة ، وأول من احتج بها على ذلك 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي    . 
قال 
الفخر    : روي أن 
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  سئل عن آية في كتاب الله تدل على أن الإجماع حجة فقرأ القرآن ثلاثمائة مرة حتى وجد هذه الآية   . 
وتقرير الاستدلال أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام ، فوجب أن يكون اتباع سبيل المؤمنين واجبا . بيان المقدمة الأولى : أنه تعالى ألحق الوعيد بمن يشاقق الرسول ويتبع غير سبيل المؤمنين ، ومشاقة الرسول وحدها موجبة لهذا الوعيد ، فلو لم يكن اتباع غير سبيل المؤمنين موجبا له ، لكان ذلك ضما لما لا أثر له في الوعيد إلى ما هو مستقل باقتضاء ذلك الوعيد ، وأنه غير جائز ، فثبت أن اتباع غير سبيل المؤمنين حرام ، فإذا ثبت هذا لزم أن يكون اتباع سبيلهم واجبا . 
وقد قرر   
[ ص: 202 ] غيره الاستدلال بالآية على حجية الإجماع بطرق أخرى ، وكلها على ما فيها من ضعف في التقريب ، وهو استلزام الدليل للمدعي ، قد أوردت عليها نقوض أشار إليها 
 nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب  في المختصر . واتفقت كلمة المحققين : 
 nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي ،  والإمام في المعالم ، 
وابن الحاجب ،  على توهين الاستدلال بهذه الآية على حجية الإجماع .