صفحة جزء
( سورة القتال أربعون آية مدنية )

( بسم الله الرحمن الرحيم )

[ ص: 70 ] ( الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع أمعاءهم ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم طاعة وقول معروف فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ) البال : الفكر ، تقول : خطر في بالي كذا ، ولا يثنى ولا يجمع ، وشذ قولهم : بالات في جمعه . تعس الرجل ، بفتح العين ، تعسا : ضد تنعش ، وأتعسه الله . قال مجمع بن هلال :


تقول وقد أفردتها من حليلها تعست كما أتعستني يا مجمع

وقال قوم ، منهم عمرو بن شميل ، وأبو الهيثم : تعس ، بكسر العين . وعن أبي عبيدة : تعسه الله وأتعسه : في باب فعلت وأفعلت . وقال ابن السكيت : التعس : أن يجر على الوجه ، والنكس : أن يجر على الرأس . وقال هو أيضا ، وثعلب : التعس : الهلاك . وقال الأعشى :


بذات لوث عفريات إذا عثرت     فالتعس أولى لها من أن أقول لعا

آسن : الماء تغير ريحه ، يأسن ويأسن ، ذكره ثعلب في الفصيح ، والمصدر : أسون وأسن ، بكسر السين . يأسن ، بفتحها ، لغة أسنا ، قاله اليزيدي . وأسن الرجل ، بالكسر لا غير : إذا دخل البئر ، فأصابته ريح من ريح البئر ، فغشي عليه ، أو دار رأسه . قال الشاعر :


قد أترك القرن مصفرا أنامله     يميد في الريح ميد الأسن

الأشراط : العلامات ، واحدها شرط ، بسكون الراء وبفتحها . قال أبو الأسود :


فإن كنت قد أزمعت بالصرم بيننا     فقد جعلت أشراط أوله تبدو

وأشرط الرجل نفسه : ألزمها أمورا . قال أوس بن حجر :

[ ص: 71 ]

فأشرط فيها نفسه وهو معصم     فألقى بأسباب له وتوكلا

العسل : معروف ، وعسل بن ذكوان رجل نحوي قديم . المعى : مقصور ، وألفه منقلبة عن ياء ، يدل عليه تثنيته معيان ، بقلب الألف ياء . والمعى : ما في البطن من الحوايا . القفل : معروف ، وأصله اليبس والصلابة . والقفل والقفيل : ما يبس من الشجر . والقفيل أيضا : نبت ، والقفيل : السوط ، وأقفله الصوم : أيبسه ، قاله الجوهري . آيفا وآنفا : هما اسما فاعل ، ولم يستعمل فعلهما ، والذي استعمل ائتنف ، وهما بمعنى مبتديا ، وتفسيرهما بالساعة تفسير معنى . وقال الزجاج : هو من استأنفت الشيء ، إذا ابتدأته . فأولى لهم ، قال صاحب الصحاح : قول العرب أولى لك : تهديد وتوعيد ، ومنه قول الشاعر :


فأولى ثم أولى ثم أولى     وهل للدار يحلب من مرد

انتهى . واختلفوا ، أهو اسم أو فعل ؟ فذهب الأصمعي إلى أنه بمعنى قاربه ما يهلكه ، أي نزل به ، وأنشد :


تعادى بين هاديتين منها     وأولى أن يزيد على الثلاث

أي : قارب أن يزيد . قال ثعلب : لم يقل أحد في أولى أحسن مما قال الأصمعي . وقال المبرد : يقال لمن هم بالعطب ، كما روي أن أعرابيا كان يوالي رمي الصيد فينفلت منه فيقول : أولى لك رمي صيدا فقاربه ثم أفلت منه ، وقال :


فلو كان أولى يطعم القوم صيدهم     ولكن أولى يترك القوم جوعا

والأكثرون على أنه اسم ، فقيل : هو مشتق من الولي ، وهو القرب ، كما قال الشاعر :


تكلفني ليلى وقد شط وليها     وعادت عواد بيننا وخطوب

وقال الجرجاني : هو ما حول من الويل ، فهو أفعل منه ، لكن فيه قلب . الضغن والضغينة : الحقد . قال عمرو بن كلثوم :


فإن الضغن بعد الضغن يفشو     عليك ويخرج الداء الدفينا

وقد ضغن بالكسر ، وتضاغن القوم وأضغنوا : بطنوا الأحقاد . وقد ضغن عليه ، وأضغنت الصبي : أخذته تحت حضنك ، وأنشد الأحمر :


كأنه مضغن صبيا

وقال ابن مقبل :


وما اضطغنت سلاحي عند معركها



وفرس ضاغن : لا يعطي ما عنده من الجري إلا بالضرب . وأصل الكلمة من الضغن ، وهو الالتواء والاعوجاج في قوائم الدابة والقناة وكل شيء . وقال بشر :


كذات الضغن تمشي في الزقاق



وأنشد الليث :


إن فتاتي من صليات القنا     ما زادها التثقيف إلا ضغنا

والحقد في القلب يشبه به . وقال قطرب :

والليث أضغن العداوة

قال الشاعر :


قل لابن هند ما أردت بمنطق     نشأ الصديق وشيد الأضغانا

لحنت له : بفتح الحاء ، ألحن لحنا : قلت له قولا يفهمه عنك ويخفى عن غيره ، ولحنه هو بالكسر : فهمه ، وألحنه : فهمه ، وألحنته أنا إياه ولاحنت الناس : فاطنتهم . وقال الشاعر :


منطق صائب ويلحن أحيا     نا وخير الحديث ما كان لحنا

وقال القتال الكلابي :


ولقد وميت لكم لكيما تفهموا     ولحنت لحنا ليس بالمرتاب

وقيل : لحن القول : الذهاب عن الصواب ، مأخوذ من اللحن في الإعراب . وتره : نقصه ، مأخوذ من الذحل . وقيل من الوتر ، وهو الفرد .

التالي السابق


الخدمات العلمية