كان الناس أمة واحدة ، مناسبة هذه الآية لما قبلها هو أن إصرار هؤلاء على كفرهم هو حب الدنيا ، وأن ذلك ليس مختصا بهذا الزمان الذي بعثت فيه ، بل هذا أمر كان في الأزمنة المتقادمة ؛ إذ كانوا على حق ثم اختلفوا بغيا وحسدا وتنازعا في طلب   
[ ص: 135 ] الدنيا . والناس : القرون بين 
آدم  ونوح  ، وهي عشرة كانوا على الحق ، حتى اختلفوا ؛ فبعث الله 
نوحا  فمن بعده . قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، 
وقتادة  ؛ أو : قوم 
نوح  ومن في سفينته كانوا مسلمين ؛ أو : 
آدم  وحده ، عن 
مجاهد  ؛ أو : هو 
وحواء  ؛ أو : بنو آدم حين أخرجهم من ظهره نسما ، كانوا على الفطرة ، قاله 
أبي  وابن زيد    . أو : 
آدم  وبنوه كانوا على دين حق ، فاختلفوا من حين قتل 
قابيل  هابيل  ؛ أو : بنو آدم من وقت موته إلى مبعث 
نوح  ، كانوا كفارا أمثال البهائم ، قاله 
عكرمة  ، 
وقتادة  ؛ أو : قوم 
إبراهيم  ، كانوا على دينه إلى أن غيره 
عمرو بن يحيى  ؛ أو : أهل الكتاب ممن آمن 
بموسى    - على نبينا وعليه السلام - أو : قوم 
نوح  حين بعث إليهم ، كانوا كفارا ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ؛ أو : الجنس ، كانوا أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع ، لا أمر عليهم ولا نهي ، أو صنفا واحدا ؛ فكان المراد : أن الكل من جوهر واحد ، وأب واحد ، ثم خص صنفا من الناس ببعث الرسل إليهم ، وإنزال الكتب عليهم تكريما لهم ، قاله 
الماتريدي  ، فهذه اثنا عشر قولا في الناس . وأما في التوحيد فخمسة أقوال : إما في الإيمان ، وإما في الكفر ، وإما في الخلقة على الفطرة ، وإما في الخلو عن الشرائع ، وإما في كونهم من جوهر واحد ، وهو الأب . وقد رجح كونهم أمة واحدة في الإيمان بقوله : ( 
فبعث الله   ) ، وإنما بعثوا حين الاختلاف ، ويؤكده قراءة 
عبد الله    ( 
أمة واحدة فاختلفوا   ) ، وبقوله : ( 
ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه   ) ، فهذا يدل على أن الاتفاق كان حصل قبل البعث والإنزال ، وبدلالة العقول ؛ إذ النظر المستقيم يؤدي إلى الحق ، ويكون 
آدم  بعث إلى أولاده ، وكانوا مسلمين ، وبالولادة على الفطرة ، وبأن أهل السفينة كانوا على الحق ، وبإقرارهم في يوم الذر . ويظهر أن هذا القول هو الأرجح ؛ لقراءة عبد الله ؛ وللتصريح بهذا المحذوف في آية أخرى ، وهو قوله تعالى : ( 
وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا   ) ، والقرآن يفسر بعضه بعضا ، وتقدم شرح " أمة " في قوله : ( 
ومن ذريتنا أمة مسلمة لك   ) . 
وفي قراءة 
أبي    : ( كان البشر ) ، إشارة إلى أنه لا يراد بالناس معهودون ، ومن جعل الاتحاد في الإيمان قدر : فاختلفوا فبعث الله ، ومن جعل ذلك في الكفر لا يحتاج إلى هذا التقدير ؛ إذ كانت بعثة النبيين إليهم ، وأول الرسل على ما ورد في الصحيح في حديث الشفاعة : 
نوح    - على نبينا وعليه السلام - 
nindex.php?page=hadith&LINKID=10373949يقول الناس له : أنت أول الرسل ، المعنى : إلى قوم كفار ؛ لأن 
آدم  قبله ، وهو مرسل إلى بنيه يعلمهم الدين والإيمان .