( 
وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا   ) هذا أمر بتركهم ، وكان ذلك لقلة أتباع الإسلام حينئذ . قال 
قتادة    : ثم نسخ ذلك وما جرى مجراه بالقتال . وقال 
مجاهد    : إنما هو أمر تهديد ووعيد كقوله تعالى : ( 
ذرني ومن خلقت وحيدا   ) ، ولا نسخ فيها لأنها متضمنة خبرا وهو التهديد ، ودينهم ما كانوا عليه من البحائر والسوائب والحوامي والوصائل وعبادة الأصنام والطواف حول البيت عراة يصفرون ويصفقون ، أو الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام ( 
لعبا ولهوا   ) حيث سخروا به واستهزءوا ، أو عبادتهم لأنهم كانوا مستغرقين في اللهو واللعب وشرب الخمر والعزف والرقص لم تكن لهم عبادة إلا ذلك ، أقوال ثلاثة . وانتصب ( 
لعبا ولهوا   ) على المفعول الثاني لـ ( 
اتخذوا   ) . وقال 
أبو عبد الله الرازي    : الأقرب أن المحقق في الدين هو الذي ينصر الدين لأجل أنه قام الدليل على أنه حق وصدق وصواب ، وأما الذين ينصرونه ليتوسلوا به إلى أخذ المناصب والرئاسة وغلبة الخصم وجمع الأموال ، فهم نصروا الدين للدنيا ، وقد حكم الله على الدنيا في سائر الآيات بأنها لعب ولهو ، فالآية إشارة إلى من يتوسل بدينه إلى دنياه ، وأكثر الخلق موصوفون بهذه الصفة . انتهى . وفيه بعض تلخيص ، وظاهر تفسيره يقتضي أن ( 
اتخذوا   ) هنا متعدية إلى واحد ، وأن انتصاب ( 
لعبا ولهوا   ) على المفعول من أجله ، فيصير المعنى : اكتسبوا دينهم وعملوه وأظهروا اللعب واللهو أي للدنيا واكتسابها ، ويظهر من بعض كلام 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري   [ ص: 155 ] وابن عطية  أن ( 
لعبا ولهوا   ) هو المفعول الأول لـ ( 
اتخذوا   ) و ( 
دينهم   ) هو المفعول الثاني . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    : أي دينهم الذي كان يجب أن يأخذوا به ( 
لعبا ولهوا   ) ، وذلك أن عبادتهم وما كانوا عليه من تحريم البحائر والسوائب وغير ذلك من باب اللعب واتباع هوى النفس والعمل بالشهوة ، ومن جنس الهزل دون الجد ، واتخذوا ما هو لعب ولهو من عبادة الأصنام وغيرها دينا لهم واتخذوا دينهم الذي كلفوه ودعوا إليه وهو دين الإسلام ( 
لعبا ولهوا   ) ، حيث سخروا به واستهزءوا . انتهى . فظاهر تقديره الثاني هو ما ذكرناه عنه . وقال 
ابن عطية    : وأضاف الدين إليهم على معنى أنهم جعلوا اللهو واللعب دينا ، ويحتمل أن يكون المعنى : اتخذوا دينهم الذي كان ينبغي لهم لعبا ولهوا . انتهى . فتفسيره الأول هو ما ذكرناه عنه . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    : وقيل : جعل الله لكل قوم عيدا يعظمونه ويصلون فيه ويعمرونه بذكر الله ، والناس كلهم من المشركين وأهل الكتاب اتخذوا عيدهم لعبا ولهوا ، غير المسلمين فإنهم اتخذوا دينهم عيدهم كما شرعه الله . 
ومعنى ( 
ذرهم   ) أعرض عنهم ولا تبال بتكذيبهم واستهزائهم ولا تشغل قلبك بهم . انتهى . 
( 
وغرتهم الحياة الدنيا   ) يحتمل أن يكون معطوفا على الصلة ، وأن يكون استئناف إخبار أي خدعتهم الغرور وهي الأطماع فيما لا يتحصل فاغتروا بنعم الله ورزقه وإمهاله إياهم . وقيل : غرتهم بتكذيبهم بالبعث . وقال 
أبو عبد الله الرازي    : لأجل استيلاء حب الدنيا أعرضوا عن حقيقة الدين واقتصروا على تزيين الظواهر ليتوصلوا بها إلى حطام الدنيا . انتهى . وقيل : ( غرتهم ) من الغر بفتح الغين ، أي : ملأت أفواههم وأشبعتهم . ومنه قول الشاعر : 
ولما التقينا بالحليبة غرني بمعروفه حتى خرجت أفوق 
ومنه غر الطائر فرخه . 
( 
وذكر به أن تبسل نفس بما كسبت   ) الضمير في ( به ) عائد على القرآن أو على الدين أو على ( 
حسابهم   ) ثلاثة أقوال أولاها الأول كقوله : ( 
فذكر بالقرآن من يخاف وعيد   ) ، و ( 
تبسل   ) ، قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس    : تفضح . وقال 
الحسن  وعكرمة    : تسلم . وقال 
قتادة    : تحبس وترتهن . وقال 
الكلبي  وابن زيد  والأخفش    : تجزى . وقال 
الضحاك    : تحرق . وقال 
ابن زيد  أيضا : تؤخذ . وقال 
مورج    : تعذب . وقيل : يحرم عليها النجاة ودخول الجنة . وقال 
أبو بكر    : استحسن بعض شيوخنا قول من قال : تسلم بعملها لا تقدر على التخلص ; لأنه يقال : استبسل للموت ، أي : رأى ما لا يقدر على دفعه ، واتفقوا على أن ( 
تبسل   ) في موضع المفعول من أجله وقدروا : كراهة ( 
أن تبسل   ) ومخافة ( 
أن تبسل   ) ولئلا تبسل ، ويجوز عندي أن يكون في موضع جر على البدل من الضمير ، والضمير مفسر بالبدل ، وأضمر الإبسال لما في الإضمار من التفخيم كما أضمر الأمر والشأن وفسر بالبدل وهو الإبسال ، فالتقدير : وذكر بارتهان النفوس وحبسها بما كسبت ، كما قالوا : اللهم صل عليه الرؤوف الرحيم ، وقد أجاز ذلك 
 nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه  قال : فإن قلت : ضربت وضربوني قومك ، نصبت ، إلا في قول من قال : أكلوني البراغيث ، أو يحمله   
[ ص: 156 ] على البدل من المضمر ، وقال أيضا : فإن قلت ضربني وضربتهم قومك رفعت على التقديم والتأخير ، إلا أن تجعل هاهنا البدل كما جعلته في الرفع ، وقد روي قوله : 
تنخل فاستاكت به عود إسحل 
بجر عود على أنه بدل من الضمير ، والمعنى : أن تبسل نفس تاركة للإيمان بما كسبت من الكفر أو بكسبها السيئ . 
( 
ليس لها من دون الله   ) أي : من دون عذاب الله ، ( 
ولي   ) فينصرها ، ( 
ولا شفيع   ) فيدفع عنها بمسألته ، وهذه الجملة صفة أو حال أو مستأنفة إخبارا ، وهو الأظهر ، و ( من ) لابتداء الغاية . وقال 
ابن عطية    : ويجوز أن تكون زائدة . انتهى . وهو ضعيف . 
( 
وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها   ) أي : وإن تفد كل فداء ، والعدل الفدية لأن الفادي يعدل الفداء بمثله ، ونقل عن 
أبي عبيدة  أن المعني بالعدل هنا ضد الجور وهو القسط أي : وإن تقسط كل قسط بالتوحيد والانقياد بعد العناد ، وضعف هذا القول 
 nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري  بالإجماع على أن توبة الكافر مقبولة ، ولا يلزم هذا لأنه إخبار عن حاله يوم القيامة وهي حال معاينة وإلجاء لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، قالوا : وانتصب ( 
كل عدل   ) على المصدر ، و ( يؤخذ ) الضمير فيه عائد على المعدول به المفهوم من سياق الكلام ، ولا يعود على المصدر ; لأنه لا يسند إليه الأخذ ، وأما في ( 
لا يؤخذ منها أولئك   ) فمعنى المفدى به ، فيصح إسناده إليه ، ويجوز أن ينتصب ( 
كل عدل   ) على المفعول به أي : وإن تعدل بذاتها ، ( كل ) أي : كل ما تفدي به لا يؤخذ منها ، ويكون الضمير على هذا عائدا على ( 
كل عدل   ) ، وهذه الجملة الشرطية على سبيل الفرض والتقدير لا على سبيل إمكان وقوعها . 
( 
أولئك الذين أبسلوا بما كسبوا   ) الظاهر أنه يعود على ( 
الذين اتخذوا   ) ، وقاله 
الحوفي  وتبعه 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    . وقال 
ابن عطية    : ( 
أولئك   ) إشارة إلى الجنس المدلول عليه بقوله : ( 
أن تبسل نفس   ) . 
( 
لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون   ) الأظهر أنها جملة استئناف إخبار ، ويحتمل أن تكون حالا ، و ( شراب ) فعال بمعنى مفعول كطعام بمعنى مطعوم ، ولا ينقاس فعال بمعنى مفعول ، لا يقال : ضراب ولا قتال بمعنى مضروب ولا مقتول .