( 
ومن الأنعام حمولة وفرشا   ) هذا معطوف على ( جنات ) أي : وأنشأ ( 
ومن الأنعام حمولة وفرشا   ) ، وهل الحمولة ما قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، ما حمل عليه من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير والفرش الغنم ؟ أو ما قاله أيضا : ما انتفع به من ظهورها والفرش الراعية ؟ أو ما قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود  والحسن  ومجاهد  وابن قتيبة    : ما حمل من الإبل والفرش صغارها ؟   
[ ص: 239 ] أو ما قاله 
الحسن  أيضا : الإبل والفرش الغنم ؟ أو ما قاله 
ابن زيد    : ما يركب ، والفرش ما يؤكل لحمه ويجلب من الغنم والفصلان والعجاجيل ؟ أو ما قاله 
الماتريدي    : مراكب النساء ، والفرش ما يكون للنساء ، أو ما قاله أيضا : كل شيء من الحيوان وغيره يقال له فرش ؟ تقول العرب : أفرشه الله كذا ، أي : جعله له ، أو ما قاله بعضهم : ما كان معدا للحمل من الحيوانات ، والفرش ما خلق لهم من أصوافها وجلودها التي يفترشونها ويجلسون عليها ؟ أو ما يحمل الأثقال ، والفرش ما يفرش للذبح أو ينسج من وبره وصوفه وشعره للفرش . أو ما قاله 
الضحاك  واختاره 
النحاس    : الإبل والبقر ، والفرش الغنم ؟ ورجح هذا بإبدال ( 
ثمانية أزواج   ) منه ، عشرة أقوال . وقدم الحمولة على الفرش لأنها أعظم في الانتفاع إذ ينتفع بها في الحمل والأكل . 
( 
كلوا مما رزقكم الله   ) أي : مما أحله الله لكم ولا تحرموا ، كفعل الجاهلية ، وهذا نص في الإجابة وإزالة لما سنه الكفار من البحيرة والسائبة . 
( 
ولا تتبعوا خطوات الشيطان   ) أي : في التحليل والتحريم من عند أنفسكم ، وتعلقت بها المعتزلة في أن الحرام ليس برزق ، وتقدم تفسير ( 
ولا تتبعوا   ) إلى آخره في البقرة . 
( 
ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني   ) تقدم تفسير المشركين فيما أحلوا وما حرموا ونسبتهم ذلك إلى الله ، فلما قام الإسلام وثبتت الأحكام جادلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان خطيبهم 
مالك بن عوف بن أبي الأحوص الجشمي  ، فقال : يا 
محمد  بلغنا أنك تحل أشياء ، فقال له : " إنكم قد حرمتم أشياء على غير أصل ، وإنما خلق الله هذه الأزواج الثمانية للأكل والانتفاع بها ، فمن أين جاء هذا التحريم أمن قبل الذكر أم من قبل الأنثى ؟ " فسكت 
مالك بن عوف  وتحير ، فلو علل بالذكورة وجب أن يحرم الذكر ، أو بالأنوثة فكذلك ، أو باشتمال الرحم وجب أن يحرم لاشتمالها عليهما ، فأما تخصيص التحريم بالولد الخامس أو السابع أو ببعض دون بعض فمن أين ؟ وروي أنه قال 
لمالك    : " ما لك لا تتكلم ؟ " . فقال له 
مالك    : بل تكلم وأسمع منك ، والزوج ما كان مع آخر من جنسه ، وهما زوجان ، قال : " وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى " ، فإن كان وحده فهو فرد ، ويعني باثنين ذكرا وأنثى ، أي : كبشا ونعجة ، وتيسا وعنزا ، وهذا الاستفهام هو استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع ، حيث نسبوا ما حرموه إلى الله - تعالى - وكانوا مرة يحرمون الذكور ومرة الإناث ومرة أولادها ذكورا أو إناثا أو مختلطة ، فبين تعالى أن هذا التقسيم هو من قبل أنفسهم لا من قبله تعالى . وانتصب ( 
ثمانية أزواج   ) على البدل في قول الأكثرين من قوله : ( 
حمولة وفرشا   ) ، وهو الظاهر . وأجازوا نصبه بـ ( 
كلوا مما رزقكم الله   ) ، وهو قول 
علي بن سليمان  ، وقدره : كلوا لحم ثمانية ، وبـ " أنشأ " مضمرة ، قاله 
 nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي  ، وعلى البدل من موضع ما ، من قوله : ( 
مما رزقكم   ) ، وبـ ( كلوا ) مضمرة ، وعلى أنها حال أي : مختلفة متعددة . وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف  والحسن  وعيسى بن عمر    : ( 
من الضأن   ) بفتح الهمزة . وقرأ الابنان 
وأبو عمرو    : ( 
ومن المعز   ) بفتح العين . وقرأ 
أبي    : ومن المعزى . وقرأ 
 nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان    : اثنان بالرفع على الابتداء ، والخبر المقدم ، وتقديم المفعول وتأخير الفعل دل على وقوع تحريمهم الذكور تارة والإناث أخرى ، وما اشتملت عليه الرحم أخرى ، فأنكر تعالى ذلك عليهم حيث نسبوه إليه تعالى فقال : ( حرم ) ، أي : حرم الله ، أي : لم يحرم تعالى شيئا من ذلك لا ذكورها ولا إناثها ولا مما تحمله أرحام إناثها ، وقدم في التقسيم الفرش على الحمولة لقرب الذكر ، وهما طريقان للعرب ، تارة يراعون القرب وتارة يراعون التقديم ، ولأنهما أيسر ما يتملكه ويقتنيه الفقير والغني ، كما قال الشاعر : 
ألا إن لا تكن إبل فمعزى 
 [ ص: 240 ] وقدم الضأن على المعز لغلاء ثمنه وطيب لحمه وعظم الانتفاع بصوفه . 
( 
نبئوني بعلم إن كنتم صادقين   ) أي : إن كنتم صادقين في نسبة ذلك التحريم إلى الله ، فأخبروني عن الله بعلم لا بافتراء ولا بتخرص ، وأنتم لا علم لكم بذلك ، إذ لم يأتكم بذلك وحي من الله - تعالى - فلا يمكن منكم تنبئة بذلك ، وفصل بهذه الجملة المعترضة بين المتعاطفين على سبيل التقريع لهم والتوبيخ ، حيث لم يستندوا في تحريمهم إلا إلى الكذب البحت والافتراء . 
( 
ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين   ) انتقل من توبيخهم في نفي علمهم بذلك إلى توبيخهم في نفي شهادتهم ذلك وقت توصية الله إياهم بذلك ; لأن مدرك الأشياء المعقول والمحسوس ، فإذا انتفيا فكيف يحكم بتحليل أو بتحريم ؟ وكيفية انتفاء الشهادة منهم واضحة ، وكيفية انتفاء العلم بالعقل ، أن ذلك مستند إلى الوحي ، وكانوا لا يصدقون بالرسل ، ومع انتفاء هذين كانوا يقولون : إن الله حرم كذا ، افتراء عليه . قال 
 nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري    : فتهكم بهم في قوله : ( 
أم كنتم شهداء   ) على معنى أعرفتم التوصية به مشاهدين لأنكم لا تؤمنون بالرسل . انتهى . وقدم الإبل على البقر لأنها أغلى ثمنا ، وأغنى نفعا في الرحلة وحمل الأثقال عليها ، وأصبر على الجوع والعطش ، وأطوع وأكثر انقيادا في الإناخة والإثارة . 
( 
فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم   ) أي : لا أحد ( 
أظلم ممن افترى على الله كذبا   ) ، فنسب إليه تحريم ما لم يحرمه الله - تعالى - فلم يقتصر على افتراء الكذب في حق نفسه وضلالها حتى قصد بذلك ضلال غيره ، فسن هذه السنة الشنعاء ، وغايته بها إضلال الناس ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها . 
( 
إن الله لا يهدي القوم الظالمين   ) نفى هداية من وجد منه الظلم ، وكان من فيه الأظلمية أولى بأن لا يهديه ، وهذا عموم في الظاهر ، وقد تبين تخصيصه من ما يقتضيه الشرع .