(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142ومن الأنعام حمولة وفرشا ) هذا معطوف على ( جنات ) أي : وأنشأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142ومن الأنعام حمولة وفرشا ) ، وهل الحمولة ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ما حمل عليه من الإبل والبقر والخيل والبغال والحمير والفرش الغنم ؟ أو ما قاله أيضا : ما انتفع به من ظهورها والفرش الراعية ؟ أو ما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود والحسن ومجاهد وابن قتيبة : ما حمل من الإبل والفرش صغارها ؟
[ ص: 239 ] أو ما قاله
الحسن أيضا : الإبل والفرش الغنم ؟ أو ما قاله
ابن زيد : ما يركب ، والفرش ما يؤكل لحمه ويجلب من الغنم والفصلان والعجاجيل ؟ أو ما قاله
الماتريدي : مراكب النساء ، والفرش ما يكون للنساء ، أو ما قاله أيضا : كل شيء من الحيوان وغيره يقال له فرش ؟ تقول العرب : أفرشه الله كذا ، أي : جعله له ، أو ما قاله بعضهم : ما كان معدا للحمل من الحيوانات ، والفرش ما خلق لهم من أصوافها وجلودها التي يفترشونها ويجلسون عليها ؟ أو ما يحمل الأثقال ، والفرش ما يفرش للذبح أو ينسج من وبره وصوفه وشعره للفرش . أو ما قاله
الضحاك واختاره
النحاس : الإبل والبقر ، والفرش الغنم ؟ ورجح هذا بإبدال (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143ثمانية أزواج ) منه ، عشرة أقوال . وقدم الحمولة على الفرش لأنها أعظم في الانتفاع إذ ينتفع بها في الحمل والأكل .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142كلوا مما رزقكم الله ) أي : مما أحله الله لكم ولا تحرموا ، كفعل الجاهلية ، وهذا نص في الإجابة وإزالة لما سنه الكفار من البحيرة والسائبة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) أي : في التحليل والتحريم من عند أنفسكم ، وتعلقت بها المعتزلة في أن الحرام ليس برزق ، وتقدم تفسير (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142ولا تتبعوا ) إلى آخره في البقرة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني ) تقدم تفسير المشركين فيما أحلوا وما حرموا ونسبتهم ذلك إلى الله ، فلما قام الإسلام وثبتت الأحكام جادلوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان خطيبهم
مالك بن عوف بن أبي الأحوص الجشمي ، فقال : يا
محمد بلغنا أنك تحل أشياء ، فقال له : " إنكم قد حرمتم أشياء على غير أصل ، وإنما خلق الله هذه الأزواج الثمانية للأكل والانتفاع بها ، فمن أين جاء هذا التحريم أمن قبل الذكر أم من قبل الأنثى ؟ " فسكت
مالك بن عوف وتحير ، فلو علل بالذكورة وجب أن يحرم الذكر ، أو بالأنوثة فكذلك ، أو باشتمال الرحم وجب أن يحرم لاشتمالها عليهما ، فأما تخصيص التحريم بالولد الخامس أو السابع أو ببعض دون بعض فمن أين ؟ وروي أنه قال
لمالك : " ما لك لا تتكلم ؟ " . فقال له
مالك : بل تكلم وأسمع منك ، والزوج ما كان مع آخر من جنسه ، وهما زوجان ، قال : " وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى " ، فإن كان وحده فهو فرد ، ويعني باثنين ذكرا وأنثى ، أي : كبشا ونعجة ، وتيسا وعنزا ، وهذا الاستفهام هو استفهام إنكار وتوبيخ وتقريع ، حيث نسبوا ما حرموه إلى الله - تعالى - وكانوا مرة يحرمون الذكور ومرة الإناث ومرة أولادها ذكورا أو إناثا أو مختلطة ، فبين تعالى أن هذا التقسيم هو من قبل أنفسهم لا من قبله تعالى . وانتصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143ثمانية أزواج ) على البدل في قول الأكثرين من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142حمولة وفرشا ) ، وهو الظاهر . وأجازوا نصبه بـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142كلوا مما رزقكم الله ) ، وهو قول
علي بن سليمان ، وقدره : كلوا لحم ثمانية ، وبـ " أنشأ " مضمرة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ، وعلى البدل من موضع ما ، من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142مما رزقكم ) ، وبـ ( كلوا ) مضمرة ، وعلى أنها حال أي : مختلفة متعددة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف والحسن وعيسى بن عمر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143من الضأن ) بفتح الهمزة . وقرأ الابنان
وأبو عمرو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143ومن المعز ) بفتح العين . وقرأ
أبي : ومن المعزى . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11795أبان بن عثمان : اثنان بالرفع على الابتداء ، والخبر المقدم ، وتقديم المفعول وتأخير الفعل دل على وقوع تحريمهم الذكور تارة والإناث أخرى ، وما اشتملت عليه الرحم أخرى ، فأنكر تعالى ذلك عليهم حيث نسبوه إليه تعالى فقال : ( حرم ) ، أي : حرم الله ، أي : لم يحرم تعالى شيئا من ذلك لا ذكورها ولا إناثها ولا مما تحمله أرحام إناثها ، وقدم في التقسيم الفرش على الحمولة لقرب الذكر ، وهما طريقان للعرب ، تارة يراعون القرب وتارة يراعون التقديم ، ولأنهما أيسر ما يتملكه ويقتنيه الفقير والغني ، كما قال الشاعر :
ألا إن لا تكن إبل فمعزى
[ ص: 240 ] وقدم الضأن على المعز لغلاء ثمنه وطيب لحمه وعظم الانتفاع بصوفه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143نبئوني بعلم إن كنتم صادقين ) أي : إن كنتم صادقين في نسبة ذلك التحريم إلى الله ، فأخبروني عن الله بعلم لا بافتراء ولا بتخرص ، وأنتم لا علم لكم بذلك ، إذ لم يأتكم بذلك وحي من الله - تعالى - فلا يمكن منكم تنبئة بذلك ، وفصل بهذه الجملة المعترضة بين المتعاطفين على سبيل التقريع لهم والتوبيخ ، حيث لم يستندوا في تحريمهم إلا إلى الكذب البحت والافتراء .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل آلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين ) انتقل من توبيخهم في نفي علمهم بذلك إلى توبيخهم في نفي شهادتهم ذلك وقت توصية الله إياهم بذلك ; لأن مدرك الأشياء المعقول والمحسوس ، فإذا انتفيا فكيف يحكم بتحليل أو بتحريم ؟ وكيفية انتفاء الشهادة منهم واضحة ، وكيفية انتفاء العلم بالعقل ، أن ذلك مستند إلى الوحي ، وكانوا لا يصدقون بالرسل ، ومع انتفاء هذين كانوا يقولون : إن الله حرم كذا ، افتراء عليه . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فتهكم بهم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144أم كنتم شهداء ) على معنى أعرفتم التوصية به مشاهدين لأنكم لا تؤمنون بالرسل . انتهى . وقدم الإبل على البقر لأنها أغلى ثمنا ، وأغنى نفعا في الرحلة وحمل الأثقال عليها ، وأصبر على الجوع والعطش ، وأطوع وأكثر انقيادا في الإناخة والإثارة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ) أي : لا أحد (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144أظلم ممن افترى على الله كذبا ) ، فنسب إليه تحريم ما لم يحرمه الله - تعالى - فلم يقتصر على افتراء الكذب في حق نفسه وضلالها حتى قصد بذلك ضلال غيره ، فسن هذه السنة الشنعاء ، وغايته بها إضلال الناس ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) نفى هداية من وجد منه الظلم ، وكان من فيه الأظلمية أولى بأن لا يهديه ، وهذا عموم في الظاهر ، وقد تبين تخصيصه من ما يقتضيه الشرع .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ) هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى ( جَنَّاتٍ ) أَيْ : وَأَنْشَأَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142وَمِنَ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا ) ، وَهَلِ الْحَمُولَةُ مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، مَا حُمِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَالْفَرْشِ الْغَنَمِ ؟ أَوْ مَا قَالَهُ أَيْضًا : مَا انْتُفِعَ بِهِ مِنْ ظُهُورِهَا وَالْفَرْشُ الرَّاعِيَةُ ؟ أَوْ مَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ قُتَيْبَةَ : مَا حَمَلَ مِنَ الْإِبِلِ وَالْفَرْشُ صِغَارُهَا ؟
[ ص: 239 ] أَوْ مَا قَالَهُ
الْحَسَنُ أَيْضًا : الْإِبِلُ وَالْفَرْشُ الْغَنَمُ ؟ أَوْ مَا قَالَهُ
ابْنُ زَيْدٍ : مَا يُرْكَبُ ، وَالْفَرْشُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَيُجْلَبُ مِنَ الْغَنَمِ وَالْفُصْلَانِ وَالْعَجَاجِيلِ ؟ أَوْ مَا قَالَهُ
الْمَاتُرِيدِيُّ : مَرَاكِبُ النِّسَاءِ ، وَالْفَرْشُ مَا يَكُونُ لِلنِّسَاءِ ، أَوْ مَا قَالَهُ أَيْضًا : كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ يُقَالُ لَهُ فَرْشٌ ؟ تَقُولُ الْعَرَبُ : أَفْرَشَهُ اللَّهُ كَذَا ، أَيْ : جَعَلَهُ لَهُ ، أَوْ مَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ : مَا كَانَ مُعَدًّا لِلْحَمْلِ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ ، وَالْفَرْشُ مَا خُلِقَ لَهُمْ مِنْ أَصْوَافِهَا وَجُلُودِهَا الَّتِي يَفْتَرِشُونَهَا وَيَجْلِسُونَ عَلَيْهَا ؟ أَوْ مَا يَحْمِلُ الْأَثْقَالَ ، وَالْفَرْشُ مَا يُفْرَشُ لِلذَّبْحِ أَوْ يُنْسَجُ مِنْ وَبَرِهِ وَصُوفِهِ وَشِعْرِهِ لِلْفَرْشِ . أَوْ مَا قَالَهُ
الضَّحَّاكُ وَاخْتَارَهُ
النَّحَّاسُ : الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ ، وَالْفَرْشُ الْغَنَمُ ؟ وَرَجَّحَ هَذَا بِإِبْدَالِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ) مِنْهُ ، عَشَرَةُ أَقْوَالٍ . وَقَدَّمَ الْحَمُولَةَ عَلَى الْفَرْشِ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ فِي الِانْتِفَاعِ إِذْ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْحَمْلِ وَالْأَكْلِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ) أَيْ : مِمَّا أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تُحَرِّمُوا ، كَفِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَهَذَا نَصٌّ فِي الْإِجَابَةِ وَإِزَالَةٌ لِمَا سَنَّهُ الْكُفَّارُ مِنَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ) أَيْ : فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ، وَتَعَلَّقَتْ بِهَا الْمُعْتَزِلَةُ فِي أَنَّ الْحَرَامَ لَيْسَ بِرِزْقٍ ، وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142وَلَا تَتَّبِعُوا ) إِلَى آخِرِهِ فِي الْبَقَرَةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي ) تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمُشْرِكِينَ فِيمَا أَحَلُّوا وَمَا حَرَّمُوا وَنِسْبَتِهِمْ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ ، فَلَمَّا قَامَ الْإِسْلَامُ وَثَبَتَتِ الْأَحْكَامُ جَادَلُوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ خَطِيبُهُمْ
مَالِكَ بْنَ عَوْفِ بْنِ أَبِي الْأَحْوَصِ الْجُشَمِيُّ ، فَقَالَ : يَا
مُحَمَّدُ بَلَغَنَا أَنَّكَ تُحِلُّ أَشْيَاءَ ، فَقَالَ لَهُ : " إِنَّكُمْ قَدْ حَرَّمْتُمْ أَشْيَاءَ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ ، وَإِنَّمَا خَلَقَ اللَّهُ هَذِهِ الْأَزْوَاجَ الثَّمَانِيَةَ لِلْأَكْلِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا ، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ هَذَا التَّحْرِيمُ أَمِنْ قِبَلِ الذَّكَرِ أَمْ مِنْ قِبَلِ الْأُنْثَى ؟ " فَسَكَتَ
مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ وَتَحَيَّرَ ، فَلَوْ عَلَّلَ بِالذُّكُورَةِ وَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ الذَّكَرُ ، أَوْ بِالْأُنُوثَةِ فَكَذَلِكَ ، أَوْ بِاشْتِمَالِ الرَّحِمِ وَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِمَا ، فَأَمَّا تَخْصِيصُ التَّحْرِيمِ بِالْوَلَدِ الْخَامِسِ أَوِ السَّابِعِ أَوْ بِبَعْضٍ دُونِ بَعْضٍ فَمِنْ أَيْنَ ؟ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ
لِمَالِكٍ : " مَا لَكَ لَا تَتَكَلَّمُ ؟ " . فَقَالَ لَهُ
مَالِكٌ : بَلْ تَكَلَّمْ وَأَسْمَعُ مِنْكَ ، وَالزَّوْجُ مَا كَانَ مَعَ آخَرَ مِنْ جِنْسِهِ ، وَهُمَا زَوْجَانِ ، قَالَ : " وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى " ، فَإِنْ كَانَ وَحْدَهُ فَهُوَ فَرْدٌ ، وَيَعْنِي بِاثْنَيْنِ ذَكْرًا وَأُنْثَى ، أَيْ : كَبْشًا وَنَعْجَةً ، وَتَيْسًا وَعَنْزًا ، وَهَذَا الِاسْتِفْهَامُ هُوَ اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ وَتَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ ، حَيْثُ نَسَبُوا مَا حَرَّمُوهُ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَكَانُوا مَرَّةً يُحَرِّمُونَ الذُّكُورَ وَمَرَّةً الْإِنَاثَ وَمَرَّةً أَوْلَادَهَا ذُكُورًا أَوْ إِنَاثًا أَوْ مُخْتَلِطَةً ، فَبَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ هُوَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ لَا مِنْ قِبَلِهِ تَعَالَى . وَانْتَصَبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ) عَلَى الْبَدَلِ فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142حَمُولَةً وَفَرْشًا ) ، وَهُوَ الظَّاهِرُ . وَأَجَازُوا نَصْبَهُ بِـ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ ) ، وَهُوَ قَوْلُ
عَلِيِّ بْنِ سُلَيْمَانَ ، وَقَدَّرَهُ : كُلُوا لَحْمَ ثَمَانِيَةٍ ، وَبِـ " أَنْشَأَ " مُضْمَرَةً ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ ، وَعَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَوْضِعِ مَا ، مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=142مِمَّا رَزَقَكُمُ ) ، وَبِـ ( كُلُوا ) مُضْمَرَةً ، وَعَلَى أَنَّهَا حَالٌ أَيْ : مُخْتَلِفَةً مُتَعَدِّدَةً . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16258طَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ وَالْحَسَنُ وَعِيسَى بْنُ عُمَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143مِنَ الضَّأْنِ ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ . وَقَرَأَ الِابْنَانِ
وَأَبُو عَمْرٍو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143وَمِنَ الْمَعْزِ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ . وَقَرَأَ
أُبَيٌّ : وَمِنَ الْمَعْزَى . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=11795أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ : اثْنَانِ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَالْخَبَرُ الْمُقَدَّمُ ، وَتَقْدِيمُ الْمَفْعُولِ وَتَأْخِيرُ الْفِعْلِ دَلَّ عَلَى وُقُوعِ تَحْرِيمِهِمُ الذُّكُورَ تَارَةً وَالْإِنَاثَ أُخْرَى ، وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الرَّحِمُ أُخْرَى ، فَأَنْكَرَ تَعَالَى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ حَيْثُ نَسَبُوهُ إِلَيْهِ تَعَالَى فَقَالَ : ( حَرَّمَ ) ، أَيْ : حَرَّمَ اللَّهُ ، أَيْ : لَمْ يُحَرِّمْ تَعَالَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَا ذُكُورَهَا وَلَا إِنَاثَهَا وَلَا مِمَّا تَحْمِلَهُ أَرْحَامُ إِنَاثِهَا ، وَقَدَّمَ فِي التَّقْسِيمِ الْفَرْشَ عَلَى الْحَمُولَةِ لِقُرْبِ الذِّكْرِ ، وَهُمَا طَرِيقَانِ لِلْعَرَبِ ، تَارَةً يُرَاعُونَ الْقُرْبَ وَتَارَةً يُرَاعُونَ التَّقْدِيمَ ، وَلِأَنَّهُمَا أَيْسَرُ مَا يَتَمَلَّكُهُ وَيَقْتَنِيهِ الْفَقِيرُ وَالْغَنِيُّ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
أَلَا إِنْ لَا تَكُنْ إِبِلٌ فَمَعْزَى
[ ص: 240 ] وَقُدِّمَ الضَّأْنُ عَلَى الْمَعْزِ لِغَلَاءِ ثَمَنِهِ وَطِيبِ لَحْمِهِ وَعِظَمِ الِانْتِفَاعِ بِصُوفِهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=143نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) أَيْ : إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فِي نِسْبَةِ ذَلِكَ التَّحْرِيمِ إِلَى اللَّهِ ، فَأَخْبَرُونِي عَنِ اللَّهِ بِعِلْمٍ لَا بِافْتِرَاءٍ وَلَا بِتَخَرُّصٍ ، وَأَنْتُمْ لَا عِلْمَ لَكُمْ بِذَلِكَ ، إِذْ لَمْ يَأْتِكُمْ بِذَلِكَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - فَلَا يُمْكِنُ مِنْكُمْ تَنْبِئَةٌ بِذَلِكَ ، وَفَصَلَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الْمُعْتَرِضَةِ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفِينَ عَلَى سَبِيلِ التَّقْرِيعِ لَهُمْ وَالتَّوْبِيخِ ، حَيْثُ لَمْ يَسْتَنِدُوا فِي تَحْرِيمِهِمْ إِلَّا إِلَى الْكَذِبِ الْبَحْتِ وَالِافْتِرَاءِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ ) انْتَقَلَ مِنْ تَوْبِيخِهِمْ فِي نَفْيِ عِلْمِهِمْ بِذَلِكَ إِلَى تَوْبِيخِهِمْ فِي نَفْيِ شَهَادَتِهِمْ ذَلِكَ وَقْتَ تَوْصِيَةِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ ; لِأَنَّ مُدْرِكَ الْأَشْيَاءِ الْمَعْقُولُ وَالْمَحْسُوسُ ، فَإِذَا انْتَفَيَا فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِتَحْلِيلٍ أَوْ بِتَحْرِيمٍ ؟ وَكَيْفِيَّةُ انْتِفَاءِ الشَّهَادَةِ مِنْهُمْ وَاضِحَةٌ ، وَكَيْفِيَّةُ انْتِفَاءِ الْعِلْمِ بِالْعَقْلِ ، أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَنِدٌ إِلَى الْوَحْيِ ، وَكَانُوا لَا يُصَدِّقُونَ بِالرُّسُلِ ، وَمَعَ انْتِفَاءِ هَذَيْنِ كَانُوا يَقُولُونَ : إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ كَذَا ، افْتِرَاءً عَلَيْهِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَتَهَكَّمَ بِهِمْ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ ) عَلَى مَعْنَى أَعَرَفْتُمُ التَّوْصِيَةَ بِهِ مُشَاهِدِينَ لِأَنَّكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِالرُّسُلِ . انْتَهَى . وَقَدَّمَ الْإِبِلَ عَلَى الْبَقَرِ لِأَنَّهَا أَغْلَى ثَمَنًا ، وَأَغْنَى نَفْعًا فِي الرِّحْلَةِ وَحَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَيْهَا ، وَأَصْبَرُ عَلَى الْجُوعِ وَالْعَطَشِ ، وَأَطْوَعُ وَأَكْثَرُ انْقِيَادًا فِي الْإِنَاخَةِ وَالْإِثَارَةِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) أَيْ : لَا أَحَدَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ) ، فَنُسِبَ إِلَيْهِ تَحْرِيمُ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ - تَعَالَى - فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى افْتِرَاءِ الْكَذِبِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَضَلَالِهَا حَتَّى قَصَدَ بِذَلِكَ ضَلَالَ غَيْرِهِ ، فَسَنَّ هَذِهِ السُّنَّةَ الشَّنْعَاءَ ، وَغَايَتُهُ بِهَا إِضْلَالُ النَّاسِ ، فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=144إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) نَفَى هِدَايَةَ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الظُّلْمُ ، وَكَانَ مَنْ فِيهِ الْأَظْلَمِيَّةُ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَهْدِيَهُ ، وَهَذَا عُمُومٌ فِي الظَّاهِرِ ، وَقَدْ تَبَيَّنَ تَخْصِيصُهُ مِنْ مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ .