صفحة جزء
قوله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة ) الآية [ 125 ] .

570 - أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري قال : أخبرنا علي بن عمر الحافظ قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا الحكم بن موسى قال : حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن عبد الملك بن أبي غنية ، عن الحكم بن عتيبة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : لما انصرف المشركون عن قتلى أحد انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى منظرا ساءه ، ورأى حمزة قد شق بطنه واصطلم أنفه ، وجدعت أذناه . فقال : " لولا أن يحزن النساء ، أو تكون سنة بعدي لتركته حتى يبعثه الله تعالى من بطون السباع والطير ، لأقتلن مكانه سبعين رجلا منهم " ، ثم دعا ببردة فغطى بها وجهه ، فخرجت رجلاه ، فجعل على رجليه شيئا من الإذخر ، ثم قدمه ، وكبر عليه عشرا ، ثم جعل يجاء بالرجل فيوضع وحمزة مكانه حتى صلى عليه سبعين صلاة ، وكان القتلى سبعين فلما دفنوا ، وفرغ منهم نزلت هذه الآية : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ) إلى قوله : ( واصبر وما صبرك إلا بالله ) فصبر ولم يمثل بأحد .

571 - أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم الواعظ قال : حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى الحافظ قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال : حدثنا بشر بن الوليد الكندي قال : حدثنا صالح المري قال : حدثنا سليمان التيمي ، عن أبي عثمان النهدي ، عن أبي هريرة قال : أشرف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمزة فرآه صريعا ، فلم ير شيئا كان أوجع لقلبه منه ، وقال : " والله لأقتلن به سبعين منهم " ، فنزلت : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) .

572 - أخبرنا أبو حسان المزكي قال : أخبرنا أبو العباس محمد بن إسحاق ، [ حدثنا موسى بن إسحاق ] قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال : حدثنا قيس ، عن [ ابن ] أبي ليلى ، عن الحكم ، عن مقسم ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم قتل حمزة ومثل به : " لئن ظفرت بقريش لأمثلن بسبعين رجلا منهم " ، فأنزل الله عز وجل : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بل نصبر يا رب " .

573 - قال المفسرون : إن المسلمين لما رأوا ما فعل المشركون بقتلاهم يوم أحد من تبقير البطون ، وقطع المذاكير والمثلة السيئة ، قالوا حين رأوا ذلك : لئن أظفرنا الله سبحانه وتعالى عليهم لنزيدن على صنيعهم ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أحد من العرب بأحد قط ، ولنفعلن ولنفعلن . ووقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عمه حمزة وقد جدعوا أنفه [ وأذنه ، ] وقطعوا مذاكيره [ ص: 149 ] وبقروا بطنه ، وأخذت هند بنت عتبة قطعة من كبده فمضغتها ، ثم استرطتها لتأكلها ، فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها ، فبلغ ذلك نبي الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أما إنها لو أكلتها لم تدخل النار أبدا ، حمزة أكرم على الله من أن يدخل شيئا من جسده النار " . فلما نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى حمزة نظر إلى شيء لم ينظر [ قط ] إلى شيء كان أوجع لقلبه منه ، فقال : " رحمة الله عليك ، إنك ما علمت كنت وصولا للرحم ، فعالا للخيرات ، ولولا حزن من بعدك عليك لأمثلن بسبعين منهم مكانك " . فأنزل الله تعالى : ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) الآية ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " بل نصبر " ، وأمسك عما أراد ، وكفر عن يمينه .

قال الشيخ أبو الحسن : ونحتاج إلى أن نذكر هاهنا مقتل حمزة

574 - أخبرنا عمرو بن أبي عمرو المزكي قال : أخبرنا محمد بن مكي قال : أخبرنا محمد بن يوسف قال : حدثنا محمد بن إسماعيل الجعفي قال : أخبرنا محمد بن عبد الله ، حدثنا حجين بن المثنى قال : حدثنا عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة ، وأخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال : أخبرنا والدي ، قال : أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال : حدثنا سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثنا أبي ، عن محمد بن إسحاق ، حدثنا عبد الله بن الفضل بن عياش بن ربيعة ، عن سليمان بن يسار ، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري قال : خرجت أنا وعبيد الله بن عدي بن الخيار ، فمررنا بحمص ، فلما قدمناها قال لي عبيد الله بن عدي : هل لك أن تأتي وحشيا نسأله كيف كان قتله حمزة ؟ فقلت له : إن شئت [ فخرجنا نسأل عنه ، ] فقال لنا رجل : أما إنكما ستجدانه بفناء داره ، وهو رجل قد غلب عليه الخمر ، فإن تجداه صاحيا تجدا رجلا عربيا [ وتجدا ] عنده بعض ما تريدان ، فلما انتهينا إليه سلمنا عليه ، فرفع رأسه ، قلنا : جئناك لتحدثنا عن قتلك حمزة - رحمة الله عليه - فقال : أما إني سأحدثكما كما حدثت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين سألني عن ذلك ، كنت غلاما لجبير بن مطعم بن عدي بن نوفل ، وكان عمه طعيمة بن عدي قد أصيب يوم بدر ، فلما سارت قريش إلى أحد ، قال لي جبير بن مطعم : إن قتلت حمزة عم محمد - عليه الصلاة والسلام - بعمي طعيمة فأنت عتيق ، قال : فخرجت ، وكنت حبشيا أقذف بالحربة قذف الحبشة قلما أخطئ بها شيئا ، فلما التقى الناس خرجت أنظر حمزة [ وأتبصره ] حتى رأيته في عرض الجيش مثل الجمل الأورق يهد الناس بسيفه هدا ما يقوم له شيء ، فوالله إني لأتهيأ له وأستتر منه بحجر ، أو شجر ليدنو مني إذ تقدمني إليه سباع بن عبد العزى ، فلما رآه حمزة - رحمة الله عليه - قال : ها [ هنا ] يا ابن مقطعة البظور ، قال : ثم ضربه فوالله ما أخطأ رأسه ، وهززت حربتي حتى إذا [ ما ] رضيت منها دفعتها إليه ، فوقعت في ثنته حتى خرجت من بين رجليه ، فذهب لينوء نحوي فغلب ، فتركته حتى مات ، ثم أتيته فأخذت حربتي ، ثم رجعت إلى الناس ، فقعدت في العسكر ولم يكن لي بغيره حاجة إنما قتلته [ ص: 150 ] لأعتق ، فلما قدمت مكة أعتقت ، فأقمت بها حتى فشا فيها الإسلام ، ثم خرجت إلى الطائف فأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رسلا ، وقيل لي : إن محمدا - عليه الصلاة والسلام - لا يهيج الرسل ، قال : فخرجت معهم حتى قدمت على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رآني قال [ لي ] : " أنت وحشي ؟ " قلت : نعم ؟ قال : " أنت قتلت حمزة ؟ " قلت : قد كان من الأمر ما قد بلغك ، قال : " فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني . " [ فخرجت ] . قال : فلما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخرج الناس إلى مسيلمة الكذاب - قلت : لأخرجن إلى مسيلمة الكذاب لعلي أقتله فأكافئ به حمزة . فخرجت مع الناس فكان من أمره ما كان .

التالي السابق


الخدمات العلمية