[ ص: 30 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
سورة القدر 
قوله تعالى : 
إنا أنزلناه في ليلة القدر   . 
الضمير في أنزلناه للقرآن قطعا . 
وحكى 
الألوسي  عليه الإجماع ، وقال : ما يفيد أن هناك قولا ضعيفا لا يعتبر من أنه 
لجبريل    . 
وما قاله عن الضعف لهذا القول ، يشهد له السياق ، وهو قوله تعالى : 
تنزل الملائكة والروح فيها   [ 97 \ 4 ] . 
والمشهور : أن الروح هنا هو 
جبريل  عليه السلام ، فيكون الضمير في أنزلنا لغيره ، وجيء بضمير الغيبة ، تعظيما لشأن القرآن ، وإشعارا بعلو قدره . 
وقد يقال : ذكر سورة القدر قبلها مشعرة به في قوله : 
اقرأ باسم ربك ، ثم جاءت : 
إنا أنزلناه ، أي القرآن المقروء ، والضمير المتصل في إنا ، ونا في إنا أنزلناه مستعمل للجمع وللتعظيم ، ومثلها نحن ، وقد اجتمعا في قوله تعالى : 
إنا نحن نزلنا الذكر   [ 15 \ 9 ] ، والمراد بهما هنا التعظيم قطعا لاستحالة التعدد أو إرادة معنى الجمع . 
فقد صرح في موضع آخر باللفظ الصريح في قوله تعالى : 
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني   [ 39 \ 23 ] ، والمراد به القرآن قطعا ، فدل على أن المراد بتلك الضمائر تعظيم الله تعالى . 
وقد يشعر بذلك المعنى وبالاختصاص تقديم الضمير المتصل إنا ، وهذا المقام مقام تعظيم واختصاص لله تعالى سبحانه ، ومثله : 
إنا أعطيناك الكوثر   [ 108 \ 1 ] ، وقوله : 
إنا أرسلنا نوحا   [ 71 \ 1 ] ، 
إنا نحن نحيي ونميت   [ 50 \ 43 ] ، وإنزال القرآن منة عظمى .  
[ ص: 31 ] وقد دل على تعظيم المنة وتعظيم الله سبحانه في قوله : 
كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته   [ 38 \ 29 ] ، فقال : كتاب أنزلناه بضمير التعظيم ، ثم قال في وصف الكتاب : مبارك . 
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه التنصيص على أنه للتعظيم عند الكلام على آية ص هذه : 
كتاب أنزلناه إليك مبارك   . 
والواقع أنه جاءت الضمائر بالنسبة إلى الله تعالى بصيغ الجمع للتعظيم وبصيغ الإفراد ، فمن صيغ الجمع ما تقدم ، ومن صيغ الإفراد قوله : 
إني جاعل في الأرض خليفة   [ 2 \ 30 ] ، وقوله : 
إني خالق بشرا من طين   [ 38 \ 71 ] ، وقوله : 
إني أعلم ما لا تعلمون   [ 2 \ 30 ] . 
ويلاحظ في صيغ الإفراد : أنها في مواضع التعظيم والإجلال ، كالأول في مقام خلق البشر من طين ، ولا يقدر عليه إلا الله . 
والثاني : في مقام أنه يعلم ما لا تعلمه الملائكة ، وهذا لا يكون إلا لله سبحانه ، فسواء جيء بضمير بصيغة الجمع أو الإفراد ، ففيها كلها تعظيم لله سبحانه وتعالى سواء بنصها وأصل الوضع أو بالقرينة في السياق . ثم اختلف في 
المنزل ليلة القدر ، هل هو الكل أو البعض ؟ 
فقيل : وهو رأي الجمهور أنه أوائل تلك السورة فقط أي : بداية الوحي بالقرآن ، وهو مروي عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  ، قال : " ثم تتالى نزول الوحي ، بعد ذلك وكان بين أوله وآخره عشرون سنة "   . 
وقيل : المنزل في تلك الليلة ، هو جميع القرآن جملة واحدة ، وكله إلى سماء الدنيا ، ثم صار ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منجما حسب الوقائع . 
وهذا الأخير هو رأي الجمهور كما قدمنا ، وقد اختاره الشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه عند الكلام على قوله تعالى : 
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن   [ 2 \ 185 ] ، وحكاه 
الألوسي  وحكى عليه الإجماع . 
وعن 
ابن حجر  في فتح الباري ، ولشيخ الإسلام 
ابن تيمية  رحمه الله قول يجمع فيه بين القولين الأخيرين ،   
[ ص: 32 ] وهو أنه لا منافاة بين القولين ، ويمكن الجمع بينهما ، بأن يكون نزل جملة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر ، وبدء نزول أوله : 
اقرأ باسم ربك   [ 96 \ 1 ] ، في ليلة القدر . 
وقد أثير حول هذه المسألة جدال ونقاش كلامي حول 
كيفية نزول القرآن ، وأدخلوا فيها القول بخلق القرآن ، وأن 
جبريل  نقله من اللوح المحفوظ ، وأن الله لم يتكلم به عند نزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم . 
وقد سئل سماحة الشيخ 
 nindex.php?page=showalam&ids=16900محمد بن إبراهيم  رحمه الله عن ذلك ، وكتب جوابه وطبع ، فكان كافيا . وقد نقل فيه كلام 
ابن تيمية  ، وبين أن الله تعالى تكلم به عند وحيه ، ورد على كل شبهة في ذلك . 
والواقع أنه لا تعارض كما تقدم ، بين كونه في اللوح المحفوظ ونزوله إلى السماء الدنيا جملة ، ونزوله على الرسول صلى الله عليه وسلم منجما ; لأن كونه في اللوح المحفوظ ، فإن اللوح فيه كل ما هو كائن وما سيكون إلى يوم القيامة ، ومن جملة ذلك القرآن الذي سينزله الله على 
محمد  صلى الله عليه وسلم . 
ونزوله جملة إلى سماء الدنيا ، فهو بمثابة نقل جزء مما في اللوح وهو جملة القرآن ، فأصبح القرآن موجودا في كل من اللوح المحفوظ كغيره مما هو فيه ، وموجودا في سماء الدنيا ثم ينزل على الرسول صلى الله عليه وسلم منجما . 
ومعلوم أنه الآن هو أيضا موجود في اللوح المحفوظ ، لم يخل منه اللوح ، وقد يستدل لإنزاله جملة ثم تنزيله منجما بقوله : 
إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون   [ 15 \ 9 ] ; لأن نزل بالتضعيف تدل على التكرار كقوله : 
تنزل الملائكة   [ 97 \ 4 ] ، أي : في كل ليلة قدر . 
وقد جاء أنزلناه ، فتدل على الجملة . 
وقد بينت السنة تفصيل تنزيله مفرقا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث 
 nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة  وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009847  " إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله : كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك ، حتى إذا فزع عن قلوبهم . قالوا : ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الحق ، وهو العلي الكبير " الحديث في صحيح البخاري .  
[ ص: 33 ] وفي 
أبي داود  وغيره : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009848إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السماوات صلصلة كجر السلسلة على الصفوان   " . 
وعلى هذا يكون القرآن موجودا في اللوح المحفوظ حينما جرى القلم بما هو كائن وما سيكون ، ثم جرى نقله إلى سماء الدنيا جملة في ليلة القدر ، ثم نزل منجما في عشرين سنة . وكلما أراد الله إنزال شيء منه تكلم سبحانه بما أراد أن ينزله ، فيسمعه 
جبريل  عليه السلام عن الله تعالى . ولا منافاة بين تلك الحالات الثلاث . والله تعالى أعلم . 
وقد قدمنا الكلام على صور كيفية نزول الوحي وتلقي الرسول صلى الله عليه وسلم للوحي . 
وقيل : معنى 
أنزلناه في ليلة القدر أي : أنزلنا القرآن في شأن ليلة القدر تعظيما لها ، فلم تكن ظرفا على هذا الوجه . 
والواقع : أن هذا القول وإن كان من حيث الأسلوب ممكنا إلا أن ما بعده يغني عنه ; لأن إعظام ليلة القدر وبيان منزلتها قد نزل فيها قرآن فعلا ، وهو ما بعدها مباشرة في قوله : 
وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر   [ 97 \ 2 - 3 ] ، إلى آخر السورة . 
وعليه ، فيكون أول السورة في شأن إنزال القرآن وبيان ظرف إنزاله ، وآخر السورة في ليلة القدر وبيان منزلتها . 
وقد ذكرت ليلة القدر مبهمة ، ولكن جاء في القرآن ما بين الشهر التي هي فيه ، وهو شهر رمضان لقوله تعالى : 
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن   [ 2 \ 185 ] . 
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه في سورة الدخان بيان ذلك ، وأنها الليلة التي فيها يبرم كل أمر حكيم ، وليست ليلة النصف من شعبان كما يزعم بعض الناس . 
وتقدم للشيخ رحمة الله تعالى علينا وعليه ، بيان الحكمة من إنزاله مفرقا عند قوله تعالى : 
كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب   [ 38 \ 29 ] .