صفحة جزء
قوله تعالى : ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه .

ظاهر هذه الآية الكريمة قد يفهم منه أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام هم بأن يفعل مع تلك المرأة مثل ما همت هي به منه ، ولكن القرآن العظيم بين براءته عليه الصلاة والسلام من الوقوع فيما لا ينبغي حيث بين شهادة كل من له تعلق بالمسألة ببراءته ، وشهادة الله له بذلك واعتراف إبليس به .

أما الذين لهم تعلق بتلك الواقعة فهم : يوسف ، والمرأة ، وزوجها ، والنسوة ، [ ص: 206 ] والشهود .

أما جزم يوسف بأنه بريء من تلك المعصية فذكره تعالى في قوله : هي راودتني عن نفسي [ 12 \ 26 ] ، وقوله : قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه .

وأما اعتراف المرأة بذلك ففي قولها للنسوة : ولقد راودته عن نفسه فاستعصم [ 12 \ 32 ] ، وقولها : الآن حصحص الحق أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين [ 12 \ 51 ] .

وأما اعتراف زوج المرأة ففي قوله : قال إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين [ 12 \ 28 ، 29 ] .

وأما اعتراف الشهود بذلك ففي قوله : وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين الآية [ 12 \ 26 ] .

وأما شهادة الله جل وعلا ببراءته ففي قوله : كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين [ 12 \ 24 ] .

قال الفخر الرازي في " تفسيره " : قد شهد الله تعالى في هذه الآية الكريمة على طهارته أربع مرات :

أولها : لنصرف عنه السوء ، واللام للتأكيد والمبالغة .

والثاني قوله : والفحشاء ، أي : وكذلك لنصرف عنه الفحشاء .

والثالث قوله : إنه من عبادنا ، مع أنه تعالى قال : وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما [ 25 \ 63 ] .

والرابع قوله : المخلصين ، وفيه قراءتان : قراءة باسم الفاعل ، وأخرى باسم المفعول .

فوروده باسم الفاعل يدل على كونه آتيا بالطاعات والقربات مع صفة الإخلاص .

ووروده باسم المفعول يدل على أن الله تعالى استخلصه لنفسه ، واصطفاه لحضرته .

وعلى كلا الوجهين : فإنه من أدل الألفاظ على كونه منزها عما أضافوه إليه . اهـ من تفسير الرازي .

ويؤيد ذلك قوله تعالى : معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون [ 12 \ 23 ] .

[ ص: 207 ] وأما إقرار إبليس بطهارة يوسف ونزاهته ففي قوله تعالى : قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين [ 38 \ 82 ، 83 ] ، فأقر بأنه لا يمكنه إغواء المخلصين ، ولا شك أن يوسف من المخلصين ، كما صرح تعالى به في قوله : إنه من عبادنا المخلصين ، فظهرت دلالة القرآن من جهات متعددة على براءته مما لا ينبغي .

وقال الفخر الرازي في تفسير هذه الآية ما نصه : وعند هذا نقول : هؤلاء الجهال الذين نسبوا إلى يوسف عليه السلام هذه الفضيحة ، إن كانوا من أتباع دين الله تعالى فليقبلوا شهادة الله تعالى على طهارته ، وإن كانوا من أتباع إبليس وجنوده فليقبلوا شهادة إبليس على طهارته ، ولعلهم يقولون : كنا في أول الأمر تلامذة إبليس ، إلى أن تخرجنا عليه فزدنا في السفاهة عليه ، كما قال الخوارزمي :


وكنت امرأ من جند إبليس فارتقى بي الدهر حتى صار إبليس من جندي     فلو مات قبلي كنت أحسن بعده
طرائق فسق ليس يحسنها بعدي

فثبت بهذه الدلائل : أن يوسف عليه السلام بريء مما يقول هؤلاء الجهال . ا هـ كلام الرازي .

ولا يخفى ما فيه من قلة الأدب مع من قال تلك المقالة من الصحابة وعلماء السلف الصالح ، وعذر الرازي في ذلك هو اعتقاده أن ذلك لم يثبت عن أحد من السلف الصالح .

وسترى في آخر هذا المبحث أقوال العلماء في هذه المسألة إن شاء الله تعالى .

فإن قيل : قد بينتم دلالة القرآن على براءته عليه السلام مما لا ينبغي في الآيات المتقدمة ، ولكن ماذا تقولون في قوله تعالى : وهم بها ؟ [ 12 \ 24 ]

فالجواب من وجهين :

الأول : إن المراد بهم يوسف بها خاطر قلبي صرف عنه وازع التقوى ، وقال بعضهم : هو الميل الطبيعي والشهوة الغريزية المزمومة بالتقوى ، وهذا لا معصية فيه ; لأنه أمر جبلي لا يتعلق به التكليف ، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم : أنه كان يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول : " اللهم هذا قسمي فيما أملك ، فلا تلمني فيما لا أملك " ، يعني ميل القلب الطبيعي .

ومثال هذا ميل الصائم بطبعه إلى الماء البارد ، مع أن تقواه تمنعه من الشرب وهو صائم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " ومن هم بسيئة فلم يعملها كتبت له حسنة كاملة " ; لأنه ترك ما تميل [ ص: 208 ] إليه نفسه بالطبع خوفا من الله ، وامتثالا لأمره ، كما قال تعالى : وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى [ 79 \ 40 ، 41 ] .

وهم بني حارثة وبني سلمة بالفرار يوم أحد ، كهم يوسف هذا ، بدليل قوله : إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما [ 3 \ 122 ] ; لأن قوله : والله وليهما يدل على أن ذلك الهم ليس معصية ; لأن إتباع المعصية بولاية الله لذلك العاصي إغراء على المعصية .

والعرب تطلق الهم وتريد به المحبة والشهوة ، فيقول الإنسان فيما لا يحبه ولا يشتهيه : هذا ما يهمني ، ويقول فيما يحبه ويشتهيه : هذا أهم الأشياء إلي . بخلاف هم امرأة العزيز ، فإنه هم عزم وتصميم ، بدليل أنها شقت قميصه من دبر وهو هارب عنها ، ولم يمنعها من الوقوع فيما لا ينبغي إلا عجزها عنه .

ومثل هذا التصميم على المعصية معصية يؤاخذ بها صاحبها ، بدليل الحديث الثابت في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أبي بكرة : " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " قالوا : يا رسول الله ، قد عرفنا القاتل فما بال المقتول ؟ قال : " إنه كان حريصا على قتل صاحبه " ، فصرح صلى الله عليه وسلم بأن تصميم عزمه على قتل صاحبه معصية أدخله الله بسببها النار .

وأما تأويلهم هم يوسف بأنه قارب الهم ولم يهم بالفعل ، كقول العرب : قتلته لو لم أخف الله ، أي قاربت أن أقتله ، كما قاله الزمخشري .

وتأويل الهم بأنه هم بضربها ، أو هم بدفعها عن نفسه ، فكل ذلك غير ظاهر ، بل بعيد من الظاهر ولا دليل عليه .

والجواب الثاني وهو اختيار أبي حيان : أن يوسف لم يقع منه هم أصلا ، بل هو منفي عنه لوجود البرهان .

قال مقيده عفا الله عنه : هذا الوجه الذي اختاره أبو حيان وغيره هو أجرى الأقوال على قواعد اللغة العربية ; لأن الغالب في القرآن وفي كلام العرب : أن الجواب المحذوف يذكر قبله ما يدل عليه ، كقوله : فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين [ 10 \ 84 ] ، أي : إن كنتم مسلمين فتوكلوا عليه ، فالأول : دليل الجواب المحذوف لا نفس الجواب ; لأن جواب الشروط وجواب لولا لا يتقدم ، ولكن يكون المذكور قبله دليلا عليه كالآية [ ص: 209 ] المذكورة ، وكقوله : قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين [ 27 \ 64 ] ، أي : إن كنتم صادقين فهاتوا برهانكم .

وعلى هذا القول : فمعنى الآية ، وهم بها لولا أن رأى برهان ربه ، أي لولا أن رآه هم بها ، فما قبل لولا هو دليل الجواب المحذوف ، كما هو الغالب في القرآن واللغة .

ونظير ذلك قوله تعالى : إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها [ 28 \ 10 ] ، فما قبل لولا دليل الجواب ، أي : لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به .

واعلم أن جماعة من علماء العربية أجازوا تقديم جواب لولا [ 12 \ 24 ] ، وتقديم الجواب في سائر الشروط ، وعلى هذا القول يكون جواب لولا في قوله : لولا أن رأى برهان ربه [ 12 \ 24 ] ، هو ما قبله من قوله : وهم بها [ 12 \ 24 ] .

وإلى جواز التقديم المذكور ذهب الكوفيون ، ومن أعلام البصريين : أبو العباس المبرد ، وأبو زيد الأنصاري .

وقال الشيخ أبو حيان في " البحر المحيط " ما نصه : والذي أختاره أن يوسف عليه السلام لم يقع منه هم بها البتة ، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان ، كما تقول : لقد قارفت لولا أن عصمك الله ، ولا نقول : إن جواب لولا متقدم عليها ، وإن كان لا يقوم دليل على امتناع ذلك ، بل صريح أدوات الشروط العاملة مختلف في جواز تقديم أجوبتها عليها ، وقد ذهب إلى ذلك الكوفيون ، ومن أعلام البصريين : أبو زيد الأنصاري ، وأبو العباس المبرد .

بل نقول : إن جواب لولا محذوف لدلالة ما قبله عليه ، كما يقول جمهور البصريين في قول العرب : أنت ظالم إن فعلت . فيقدرونه إن فعلت فأنت ظالم ، ولا يدل قوله أنت ظالم على ثبوت الظلم ، بل هو مثبت على تقدير وجود الفعل ، وكذلك هنا التقدير : لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، فكان وجود الهم على تقدير انتفاء رؤية البرهان ، لكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهم ، ولا التفات إلى قول الزجاج . ولو كان الكلام : ولهم بها ، كان بعيدا ، فكيف مع سقوط اللام ؟ لأنه يوهم أن قوله : وهم بها هو جواب لولا ونحن لم نقل بذلك ، وإنما هو دليل الجواب ، وعلى تقدير أن يكون نفس الجواب فاللام ليست بلازمة ، لجواز أن يأتي جواب لولا إذا كان بصيغة الماضي [ ص: 210 ] باللام ، وبغير لام ، تقول : لولا زيد لأكرمتك ، ولولا زيد أكرمتك ، فمن ذهب إلى أن قوله : هم بها نفس الجواب لم يبعد ، ولا التفات لقول ابن عطية : إن قول من قال : إن الكلام قد تم في قوله : ولقد همت به وإن جواب لولا في قوله : وهم بها وإن المعنى : لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، فلم يهم يوسف عليه السلام .

قال : وهذا قول يرده لسان العرب وأقوال السلف اهـ .

أما قوله : يرده لسان العرب فليس كما ذكر ، وقد استدل من ذهب إلى جواز ذلك بوجوده في لسان العرب ، قال الله تعالى : إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين \ [ 28 \ 10 ] 30 فقوله : إن كادت لتبدي به إما أن يتخرج على أن الجواب على ما ذهب إليه ذلك القائل ، وإما أن يتخرج على ما ذهبنا إليه من أنه دليل الجواب ، والتقدير : لولا أن ربطنا على قلبها لكادت تبدي به .

وأما أقوال السلف : فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شيء من ذلك ; لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضها بعضا ، مع كونها قادحة في بعض فساق المسلمين فضلا عن المقطوع لهم بالعصمة .

والذي روي عن السلف لا يساعد عليه كلام العرب ; لأنهم قدروا جواب لولا محذوفا ولا يدل عليه دليل ; لأنهم لم يقدروا الهم بها ولا يدل كلام العرب إلا على أن يكون المحذوف من معنى ما قبل الشرط ; لأن ما قبل الشرط دليل عليه اهـ . محل الغرض من كلام أبي حيان بلفظه .

وقد قدمنا أن هذا القول هو أجرى الأقوال على لغة العرب ، وإن زعم بعض العلماء خلاف ذلك .

فبهذين الجوابين تعلم أن يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بريء من الوقوع فيما لا ينبغي ، وأنه إما أن يكون لم يقع منه أصلا بناء على أن الهم معلق بأداة الامتناع التي هي لولا على انتفاء رؤية البرهان ، وقد رأى البرهان فانتفى المعلق عليه ، وبانتفائه ينتفي المعلق الذي هو همه بها كما تقدم إيضاحه في كلام أبي حيان .

وإما أن يكون همه خاطرا قلبيا صرف عنه وازع التقوى ، أو هو الشهوة والميل الغريزي المزموم بالتقوى كما أوضحناه ، فبهذا يتضح لك أن قوله : وهم بها لا يعارض ما قدمنا من الآيات على براءة يوسف من الوقوع فيما لا ينبغي .

[ ص: 211 ] فإذا علمت مما بينا دلالة القرآن العظيم على براءته مما لا ينبغي ، فسنذكر لك أقوال العلماء الذين قالوا : إنه وقع منه بعض ما لا ينبغي ، وأقوالهم في المراد بالبرهان فنقول :

قال صاحب " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " : أخرج عبد الرزاق ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : لما همت به تزينت ، ثم استلقت على فراشها ، وهم بها جلس بين رجليها يحل تبانه نودي من السماء " يا ابن يعقوب ، لا تكن كطائر ينتف ريشه فيبقى لا ريش له " فلم يتعظ على النداء شيئا ، حتى رأى برهان ربه : جبريل عليه السلام في صورة يعقوب عاضا على أصبعيه ، ففزع فخرجت شهوته من أنامله ، فوثب إلى الباب فوجده مغلقا ، فرفع يوسف رجله فضرب بها الباب الأدنى فانفرج له ، واتبعته فأدركته ، فوضعت يديها في قميصه فشقته حتى بلغت عضلة ساقه ، فألفيا سيدها لدى الباب .

وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، وأبو نعيم في " الحلية " عن ابن عباس رضي الله عنهما : أنه سئل عن هم يوسف عليه السلام ما بلغ ؟ قال : حل الهميان - يعني السراويل - وجلس منها مجلس الخاتن ، فصيح به ، يا يوسف لا تكن كالطير له ريش ، فإذا زنى قعد ليس له ريش !

وأخرج أبو نعيم في " الحلية " عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في قوله : ولقد همت به وهم بها [ 12 \ 24 ] ، قال : طمعت فيه وطمع فيها ، وكان من الطمع أن هم بحل التكة ، فقامت إلى صنم مكلل بالدر واليواقيت في ناحية البيت فسترته بثوب أبيض بينها وبينه ، فقال : أي شيء تصنعين ؟ فقالت : استحي من إلهي أن يراني على هذه الصورة ، فقال يوسف عليه السلام : تستحين من صنم لا يأكل ولا يشرب ، ولا أستحي أنا من إلهي الذي هو قائم على كل نفس بما كسبت ، ثم قال : لا تنالينها مني أبدا . وهو البرهان الذي رأى .

وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : وهم بها [ 12 \ 24 ] ، قال : حل سراويله حتى بلغ ثنته ، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته ، فمثل له يعقوب عليه السلام فضرب بيده على صدره فخرجت شهوته من أنامله .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، والحاكم ، وصححه عن ابن عباس [ ص: 212 ] رضي الله عنهما في قوله : لولا أن رأى برهان ربه قال : رأى صورة أبيه يعقوب في وسط البيت عاضا على إبهامه ، فأدبر هاربا وقال : " وحقك يا أبت لا أعود أبدا " .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عكرمة ، وسعيد بن جبير في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قالا : حل السراويل ، وجلس منها مجلس الخاتن ، فرأى صورة فيها وجه يعقوب عاضا على أصابعه ، فدفع صدره فخرجت الشهوة من أنامله ، فكل ولد يعقوب قد ولد له اثنا عشر ولدا إلا يوسف عليه السلام ، فإنه نقص بتلك الشهوة ولدا فلم يولد له غير أحد عشر ولدا .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن مجاهد رضي الله عنه في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قال : تمثل له يعقوب عليه السلام فضرب في صدر يوسف فطارت شهوته من أطراف أنامله ، فولد لكل ولد يعقوب اثنا عشر ذكرا غير يوسف لم يولد له إلا غلامان .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن الحسن رضي الله عنه ، في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قال : رأى يعقوب عاضا على أصابعه يقول : " يوسف ! يوسف ! " .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن قتادة رضي الله عنه في الآية ، قال : رأى آية من آيات ربه حجزه الله بها عن معصيته ، ذكر لنا أنه مثل له يعقوب عاضا على أصبعيه ، وهو يقول له : يا يوسف ! أتهم بعمل السفهاء ، وأنت مكتوب في الأنبياء ؟ ! فذلك البرهان . فانتزع الله كل شهوة كانت في مفاصله .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن سيرين رضي الله عنه ، في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قال : مثل له يعقوب عليه السلام عاضا على إصبعيه يقول : " يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ، اسمك مكتوب في الأنبياء ، وتعمل عمل السفهاء ! " .

وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن مجاهد رضي الله عنه ، قال : رأى صورة يعقوب عليه السلام في الجدار .

وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن الحسن رضي الله عنه ، قال : زعموا أن سقف البيت انفرج ، فرأى يعقوب عاضا على إصبعيه .

[ ص: 213 ] وأخرج عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " ، عن الحسن رضي الله عنه ، في قوله : ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه . قال : إنه لما هم قيل له ارفع رأسك يا يوسف ، فرفع رأسه فإذا هو بصورة في سقف البيت تقول : يا يوسف ! يا يوسف ! أنت مكتوب في الأنبياء ، فعصمه الله عز وجل .

وأخرج أبو عبيد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، عن أبي صالح رضي الله عنه ، قال : رأى صورة يعقوب في سقف البيت تقول : " يوسف ! يوسف ! " .

وأخرج ابن جرير من طريق الزهري ، أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن البرهان الذي رأى يوسف عليه السلام هو يعقوب .

وأخرج ابن جرير ، عن القاسم بن أبي بزة ، نودي : " يا ابن يعقوب ، لا تكونن كالطير له ريش ، فإذا زنى قعد ليس له ريش " ، فلم يعرض للنداء وقعد ، فرفع رأسه ، فرأى وجه يعقوب عاضا على إصبعه ، فقام مرعوبا استحياء من أبيه .

وأخرج ابن جرير ، عن علي بن بذيمة ، قال : كان يولد لكل رجل منهم اثنا عشر إلا يوسف عليه السلام ولد له أحد عشر من أجل ما خرج من شهوته .

وأخرج ابن جرير ، عن شمر بن عطية ، قال : نظر يوسف إلى صورة يعقوب عاضا على إصبعه يقول : يا يوسف ، فذاك حين كف وقام .

وأخرج ابن جرير ، عن الضحاك رضي الله عنه ، قال : يزعمون أنه مثل له يعقوب عليه السلام فاستحيا منه .

وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الأوزاعي ، قال : كان ابن عباس رضي الله عنهما ، يقول في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قال : رأى آية من كتاب الله فنهته ، مثلت له في جدار الحائط .

وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه ، قال : البرهان الذي رأى يوسف عليه السلام ثلاث آيات من كتاب الله : وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون [ 82 \ 10 ، 11 ] ، وقول الله تعالى : وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه [ 10 \ 61 ] ، وقول الله تعالى : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت [ 13 \ 33 ] .

[ ص: 214 ] وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن محمد بن كعب قال : رأى في البيت في ناحية الحائط مكتوبا : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا [ 17 \ 32 ] ، وأخرج ابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن وهب بن منبه رضي الله عنه ، قال : لما خلا يوسف وامرأة العزيز خرجت كف بلا جسد بينهما ، مكتوب عليها بالعبرانية : أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت [ 13 \ 33 ] ، ثم انصرفت الكف ، وقاما مقامهما ، ثم رجعت الكف مكتوبا عليها بالعبرانية : وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون [ 82 \ 10 ، 12 ] ، ثم انصرفت الكف ، وقاما مقامهما ، فعادت الكف الثالثة مكتوبا عليها : ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا [ 17 \ 32 ] ، وانصرفت الكف ، وقاما مقامهما ، فعادت الكف الرابعة مكتوبا عليها بالعبرانية : واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون [ 2 \ 281 ] ، فولى يوسف عليه السلام هاربا .

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : لولا أن رأى برهان ربه ، قال : آيات ربه ، أري تمثال الملك .

وأخرج أبو الشيخ ، وأبو نعيم في " الحلية " ، عن جعفر بن محمد رضي الله عنه ، قال : لما دخل يوسف معها البيت وفي البيت صنم من ذهب قالت : كما أنت ، حتى أغطي الصنم ، فإني أستحي منه ، فقال يوسف : هذه تستحيي من الصنم ، أنا أحق أن أستحيي من الله ؟ فكف عنها وتركها . اهـ من " الدر المنثور في التفسير بالمأثور " .

قال مقيده عفا الله عنه : هذه الأقوال التي رأيت نسبتها إلى هؤلاء العلماء منقسمة إلى قسمين :

قسم لم يثبت نقله عمن نقله عنه بسند صحيح ، وهذا لا إشكال في سقوطه .

وقسم ثبت عن بعض من ذكر ، ومن ثبت عنه منهم شيء من ذلك ، فالظاهر الغالب على الظن المزاحم لليقين : أنه إنما تلقاه عن الإسرائيليات ; لأنه لا مجال للرأي فيه ، ولم يرفع منه قليل ولا كثير إليه صلى الله عليه وسلم .

وبهذا تعلم أنه لا ينبغي التجرؤ على القول في نبي الله يوسف بأنه جلس بين رجلي كافرة أجنبية ، يريد أن يزني بها ، اعتمادا على مثل هذه الروايات ، مع أن في الروايات [ ص: 215 ] المذكورة ما تلوح عليه لوائح الكذب ، كقصة الكف التي خرجت له أربع مرات ، وفي ثلاث منهن لا يبالي بها ; لأن ذلك على فرض صحته فيه أكبر زاجر لعوام الفساق ، فما ظنك بخيار الأنبياء ؟ مع أنا قدمنا دلالة القرآن على براءته من جهات متعددة ، وأوضحنا أن الحقيقة لا تتعدى أحد أمرين :

إما أن يكون لم يقع منه هم بها أصلا ، بناء على تعليق همه على عدم رؤية البرهان ، وقد رأى البرهان ، وإما أن يكون همه الميل الطبيعي المزموم بالتقوى ، والعلم عند الله تعالى .

واختلف العلماء في المراد بالسوء والفحشاء ، اللذين ذكر الله في هذه الآية أنه صرفهما عن نبيه يوسف .

فروى ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر رضي الله عنه ، في قوله : لنصرف عنه السوء والفحشاء [ 12 \ 24 ] ، قال : الزنى ، والثناء القبيح اهـ .

وقال بعض العلماء : السوء : مقدمات الفاحشة ، كالقبلة ، والفاحشة : الزنى .

وقيل : السوء : جناية اليد ، والفاحشة : الزنى . وأظهر الأقوال في تقدير متعلق الكاف في قوله : كذلك لنصرف ، أي : فعلنا له ذلك من إراءة البرهان ، كذلك الفعل لنصرف واللام لام كي .

وقوله : المخلصين [ 12 \ 24 ] قرأه نافع ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، بفتح اللام بصيغة اسم المفعول ، وقرأه ابن عامر ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، بكسر اللام بصيغة اسم الفاعل ، والعلم عند الله تعالى اهـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية