1. الرئيسية
  2. تفسير المنار
  3. سورة التوبة
  4. تفسير قوله تعالى لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا
صفحة جزء
( فصل في أصح الروايات ، المفسرة لإجمالي هذه الآيات )

الخروج إلى حنين والقتال والهزيمة :

قال الحافظ في أول الكلام على هذه الغزوة من الفتح : قال أهل المغازي : خرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حنين لست خلت من شوال ، وقيل : لليلتين بقيتا من رمضان ، وجمع بعضهم بأنه بدأ بالخروج في أواخر رمضان ، وسار سادس شوال ، وكان وصوله [ ص: 222 ] إليها في عاشره . وكان السبب في ذلك أن مالك بن عوف النصري جمع القبائل من هوازن ، ووافقه على ذلك الثقفيون ، وقصدوا محاربة المسلمين ، فبلغ ذلك النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فخرج إليهم ، قال عمر بن شبة في كتاب مكة : حدثنا الحزامي يعني إبراهيم بن المنذر - حدثنا ابن وهب عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة أنه كتب إلى الوليد : أما بعد ، فإنك كتبت إلي تسألني عن قصة الفتح - فذكر له وقتها - فأقام عامئذ بمكة نصف شهر ، ولم يزد على ذلك ، حتى أتاه أن هوازن وثقيفا قد نزلوا حنينا يريدون قتال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانوا قد جمعوا إليه ورئيسهم عوف بن مالك . ولأبي داود بإسناد حسن من حديث سهل بن الحنظلية أنهم ساروا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى حنين فأطنبوا السير فجاء رجل فقال : إني انطلقت من بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا فإذا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم وشائهم قد اجتمعوا إلى حنين ، فتبسم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : " تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله تعالى " وعند ابن إسحاق من حديث جابر ما يدل على أن هذا الرجل هو عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي اهـ .

وقد أخرج البيهقي في الدلائل حديث الربيع بن أنس المتقدم عن يونس بن بكر ، وزاد فيه أنهم أي المسلمين كانوا اثني عشر ألفا منهم ألفان من أهل مكة . أقول : وأما العشرة الآلاف فهم أصحابه الذين فتح بهم مكة . وفي البخاري من حديث هشام بن زيد عن أنس عبارة مبهمة بل غلط في هذا العدد ، قال : لما كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان وغيرهم بنعمهم وذراريهم ، ومع النبي عشرة آلاف من الطلقاء ، فأدبروا عنه حتى بقي وحده فنادى يومئذ نداءين لم يخلط بينهما ، فقال : " يا معشر الأنصار " فقالوا : لبيك يا رسول الله نحن معك ، ثم التفت عن يساره ( فذكر مثل ذلك ) إلخ ، فقوله : من الطلقاء غلط ، وفي رواية له : ومن الطلقاء . وهي مبهمة كما يعلم من رواية مسلم وهي " ومعه الطلقاء " إلخ . ومن رواية البيهقي التي تقدمت آنفا . وهؤلاء الطلقاء كانوا ألفين . وكان حال بعض الألفين وخفة بعض الشبان هما السبب الأول للهزيمة ، إذ كان بعضهم منافقا أظهر الإسلام لما غلب على أمره ووطنه ومهد دينه ومعهد عزه وكبريائه ، وبعضهم ضعيف الإيمان ، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتألفهم إلى أن يظهر لهم نور الإسلام وفضله بالعمل ومعاشرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع المؤمنين الصادقين ، ويزول ما كان في قلوبهم من ألفة الشرك وعداوة الإسلام ، حتى إن بعضهم أظهر الشماتة - بل الكفر - عند ما وقعت الهزيمة ، وكان منهم من ينوي قتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أمكنته الفرصة . كما يعلم من الروايات الصحيحة الآتية في القصة .

وأما السبب الثاني للهزيمة فهو مثل ما سبق في وقعة أحد من ظهور المسلمين على المشركين [ ص: 223 ] وإقبالهم على الغنائم ، واشتغالهم بها عن القتال ، وعند ذلك استقبلتهم هوازن وبنو نصر بالسهام ، وكانوا رماة لا يكاد يخطئ لهم سهم .

روى الشيخان وغيرهما من حديث البراء بن عازب ـ رضي الله عنه ـ وسأله رجل من قيس : أفررتم عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم حنين ؟ فقال : لكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يفر ، كانت هوازن رماة ، وإنا لما حملنا عليهم انكشفوا فأكببنا على الغنائم فاستقبلونا بالسهام ، ولقد رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بغلته البيضاء - وأن أبا سفيان بن الحارث آخذ بلجامها - وهو يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب وفي رواية لمسلم قال : جاء رجل إلى البراء فقال : أكنتم وليتم يوم حنين يا أبا عمارة فقال : أشهد على نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما ولى . ولكنه انطلق أخفاء من الناس وحسرة ؟ إلى هذا الحي من هوازن ، وهم قوم رماة فرموهم برشق من نبل كأنها رجل من جراد فانكشفوا فأقبل القوم إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبو سفيان بن الحارث يقود به بغلته فنزل ودعا واستنصر وهو يقول : أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب " اللهم أنزل نصرك " قال البراء : كنا والله إذا احمر البأس نتقي به ، وإن الشجاع منا للذي يحاذي به يعني النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

وروى مسلم أيضا من حديث سلمة بن الأكوع قال : غزونا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حنينا ، فلما واجهنا العدو تقدمت فأعلو ثنية فاستقبلني رجل من العدو فأرميه بسهم فتوارى عني فما دريت ما أصنع ، ونظرت إلى القوم فإذا هم قد طلعوا من ثنية أخرى فالتقوا هم وصحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فولى صحابة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأرجع منهزما وعلي بردتان متزرا بأحدهما مرتديا بالأخرى ، فاستطلق إزاري فجمعتهما جميعا ، ومررت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهزما وهو على بغلته الشهباء ، فقال رسول [ ص: 224 ] الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لقد رأى ابن الأكوع فزعا " فلما غشوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نزل عن البغلة ، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم ، فقال : شاهت الوجوه ، فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة فولوا مدبرين ، فهزمهم الله عز وجل ، وقسم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ غنائمهم بين المسلمين اهـ .

التالي السابق


الخدمات العلمية