صفحة جزء
تنبيهات :

الأول : المحققون على أن ناصب إذا شرطها ، والأكثرون أنه ما في جوابها من فعل أو شبهه .

الثاني : قد تستعمل إذا للاستمرار في الأحوال الماضية والحاضرة والمستقبلة ، كما يستعمل الفعل المضارع لذلك ; ومنه وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون [ البقرة : 14 ] [ ص: 462 ] ، أي : هذا شأنهم أبدا ، وكذا قوله تعالى : وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى [ النساء : 142 ] .

الثالث : ذكر ابن هشام في " المغني " : ( إذ ما ) ولم يذكر ( إذا ما ) وقد ذكرها الشيخ بهاء الدين السبكي في [ عروس الأفراح ] في أدوات الشرط .

فأما ( إذ ما ) فلم تقع في القرآن ، ومذهب سيبويه أنها حرف . وقال المبرد وغيره : إنها باقية على الظرفية ، وأما ( إذا ما ) فوقعت في القرآن في قوله تعالى : وإذا ما غضبوا [ الشورى : 37 ] ، إذا ما أتوك لتحملهم [ التوبة : 92 ] ، ولم أر من تعرض لكونها باقية على الظرفية أو محولة إلى الحرفية . ويحتمل أن يجري فيها القولان في ( إذ ما ) . ويحتمل أن يجزم ببقائها على الظرفية ، لأنها أبعد عن التركيب ، بخلاف ( إذ ما ) .

الرابع : تختص ( إذا ) بدخولها على المتيقن والمظنون والكثير الوقوع ، بخلاف ( إن ) فإنها تستعمل في المشكوك والموهوم النادر ;ولهذا قال تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ثم قال : وإن كنتم جنبا فاطهروا [ المائدة : 6 ] فأتى بإذا في الوضوء لتكرره وكثرة أسبابه ، وبإن في الجنابة لندرة وقوعها بالنسبة إلى الحدث . وقال تعالى فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا [ الأعراف : 131 ] وإذا أذقنا الناس رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون [ الروم : 36 ] .

أتى في جانب الحسنة بإذا ; لأن نعم الله على العباد كثيرة ومقطوع بها ، وبإن في جانب السيئة لأنها نادرة الوقوع ، ومشكوك فيها .

نعم أشكل على هذه القاعدة آيتان : الأولى قوله تعالى : ولئن متم [ آل عمران : 158 ] أفإن مات [ آل عمران : 144 ] ، فأتى بإن مع أن الموت محقق الوقوع . والأخرى قوله تعالى : وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون [ الروم : 33 ] فأتى بإذا في الطرفين .

وأجاب الزمخشري عن الأولى : بأن الموت لما كان مجهول الوقت أجري مجرى غير المجزوم .

وأجاب السكاكي عن الثانية : بأنه قصد التوبيخ والتقريع ، فأتى بإذا ليكون تخويفا لهم وإخبارا بأنهم لا بد أن يمسهم شيء من العذاب ، واستفيد التقليل من لفظ ( المس ) وتنكير ( ضر ) .

[ ص: 463 ] وأما قوله تعالى : وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونأى بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض [ فصلت : 51 ] فأجيب عنه بأن الضمير في مسه للمعرض المتكبر ، لا لمطلق الإنسان . ويكون لفظ إذا للتنبيه على أن مثل هذا المعرض يكون ابتلاؤه بالشر مقطوعا به .

وقال الخويي : الذي أظنه أن ( إذا ) يجوز دخولها على المتيقن والمشكوك ، لأنها ظرف وشرط ، فبالنظر إلى الشرط تدخل على المشكوك ، وبالنظر إلى الظرف تدخل على المتيقن كسائر الظروف .

الخامس : خالفت ( إذا ) ( إن ) أيضا في : إفادة العموم ، قال ابن عصفور : فإذا قلت : إذا قام زيد قام عمرو ، أفادت : أنه كلما قام زيد قام عمرو . قال : هذا هو الصحيح . وفي : أن المشروط بها إذا كان عدما يقع الجزاء في الحال ، وفي ( إن ) لا يقع حتى يتحقق اليأس من وجوده . وفي : أن جزاءها مستعقب لشرطها على الاتصال ، لا يتقدم ولا يتأخر ، بخلاف ( إن ) . وفي : أن مدخولها لا تجزمه ، لأنها لا تتمخض شرطا .

خاتمة : قيل : قد تأتي إذا زائدة ، وخرج عليه : إذا السماء انشقت [ الانشقاق : 1 ] أي : انشقت السماء ، كما قال : اقتربت الساعة [ القمر : 1 ] .

إذا :

قال سيبويه : معناها الجواب والجزاء ، فقال الشلوبين : في كل موضع ، وقال الفارسي : في الأكثر . والأكثر أن تكون جوابا لإن أو لو ظاهرتين أو مقدرتين .

قال الفراء : وحيث جاءت بعدها اللام فقبلها ( لو ) مقدرة إن لم تكن ظاهرة ، نحو : إذا لذهب كل إله بما خلق [ المؤمنون : 91 ] .

وهي حرف ينصب المضارع ، بشرط تصديرها واستقباله ، واتصالها أو انفصالها بالقسم أو بلا النافية .

قال النحاة : وإذا وقعت بعد الواو والفاء جاز فيها الوجهان ، نحو : وإذا لا يلبثون خلافك [ الإسراء : 76 ] فإذا لا يؤتون الناس [ النساء : 53 ] وقرئ - شاذا - بالنصب فيهما .

وقال ابن هشام : التحقيق أنه إذا تقدمها شرط وجزاء وعطفت ، فإن قدرت العطف على الجواب جزمت وبطل عمل إذا ، لوقوعها حشوا . أو على الجملتين جميعا : جاز الرفع [ ص: 464 ] والنصب . وكذا إذا تقدمها مبتدأ خبره فعل مرفوع ، إن عطفت على الفعلية رفعت ، أو الاسمية فالوجهان .

وقال غيره : ( إذا ) نوعان :

الأول : أن تدل على إنشاء السببية والشرط ، بحيث لا يفهم الارتباط من غيرها ، نحو : أزورك غدا ، فتقول : إذا أكرمك . وهي في هذا الوجه عاملة تدخل على الجمل الفعلية ، فتنصب المضارع المستقبل المتصل إذا صدرت .

والثاني : أن تكون مؤكدة لجواب ارتبط بمقدم ، أو منبهة على مسبب حصل في الحال ، وهي حينئذ غير عاملة ; لأن المؤكدات لا يعتمد عليها ، والعامل يعتمد عليه ، نحو : إن تأتني إذا آتيك ، والله إذا لأفعلن . ألا ترى أنها لو سقطت لفهم الارتباط .

وتدخل هذه على الاسمية ، فتقول : إذا أنا أكرمك . ويجوز توسطها وتأخرها . ومن هذا قوله تعالى : ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك إذا [ البقرة : 145 ] فهي مؤكدة للجواب ، مرتبطة بما تقدم .

تنبيهان :

الأول : سمعت شيخنا العلامة الكافيجي يقول في قوله تعالى : ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون [ المؤمنون : 34 ] : ليست إذا هذه الكلمة المعهودة ، وإنما هي ( إذا ) الشرطية ، حذفت جملتها التي تضاف إليها ، وعوض عنها بالتنوين كما في يومئذ . وكنت أستحسن هذا جدا ، وأظن أن الشيخ لا سلف له في ذلك . ثم رأيت الزركشي قال في " البرهان " بعد ذكره لإذا المعنيين السابقين :

وذكر لهما بعض المتأخرين معنى ثالثا ، وهي أن تكون مركبة من ( إذا ) التي هي ظرف زمن ماض ، ومن جملة بعدها تحقيقا أو تقديرا ، لكن حذفت الجملة تخفيفا ، وأبدل منها التنوين ، كما في قولهم في حينئذ ، وليست هذه الناصبة للمضارع ; لأن تلك تختص به ، ولذا عملت فيه ولا يعمل إلا ما يختص ، وهذه لا تختص ، بل تدخل على الماضي ، كقوله تعالى : ( وإذا لآتيناهم ) [ النساء : 67 ] ( إذا لأمسكتم ) [ الإسراء : 100 ] ( إذا لأذقناك ) [ الإسراء : 75 ] ، وعلى الاسم نحو : وإنكم إذا لمن المقربين [ الشعراء : 42 ] قال : وهذا المعنى لم يذكره النحاة ، لكنه قياس ما قالوه في ( إذ ) .

وفي " التذكرة " لأبي حيان : ذكر لي علم الدين القمني : أن القاضي تقي الدين بن رزين كان يذهب إلى أن ( إذا ) عوض من الجملة المحذوفة ، وليس هذا قول نحوي .

[ ص: 465 ] وقال الخويي : وأنا أظن أنه يجوز أن تقول - لمن قال : أنا آتيك : إذا أكرمك ، بالرفع على معنى إذا أتيتني أكرمك ، فحذفت أتيتني ، وعوضت التنوين من الجملة ، فسقطت الألف لالتقاء الساكنين . قال : ولا يقدح في ذلك اتفاق النحاة على أن الفعل في مثل ذلك منصوب بإذا ; لأنهم يريدون بذلك ما إذا كانت حرفا ناصبا له ، ولا ينفي ذلك رفع الفعل بعدها إذا أريد بها ( إذا ) الزمانية ، معوضا من جملتها التنوين ، كما أن منهم من يجزم ما بعد ( من ) إذا جعلها شرطية ، ويرفعه إذا أريد بها الموصولة . انتهى .

فهؤلاء قد حاموا حول ما حام عليه الشيخ ، إلا أنه ليس أحد منهم من المشهورين بالنحو ، وممن يعتمد قوله فيه . نعم ذهب بعض النحاة إلى أن أصل ( إذا ) الناصبة اسم ، والتقدير في : إذا أكرمك : إذا جئتني أكرمك ، فحذفت الجملة وعوض منها التنوين ، وأضمرت ( أن ) .

وذهب آخرون إلى أنها حرف ، مركبة من ( إذ ) و ( إن ) . حكى القولين ابن هشام في المغني .

التنبيه الثاني : الجمهور على أن ( إذا ) يوقف عليها بالألف المبدلة من النون ، وعليه إجماع القراء ، وجوز قوم - منهم المبرد والمازني في غير القرآن - الوقوف عليها بالنون ، كلن وإن ، وينبني على الخلاف في الوقوف عليها كتابتها : فعلى الأول تكتب بالألف كما رسمت في المصاحف ، وعلى الثاني بالنون .

وأقول : الإجماع في القرآن على الوقف عليها ، وكتابتها بالألف دليل على أنها اسم منون لا حرف آخره نون ، خصوصا أنها لم تقع فيه ناصبة للمضارع ، فالصواب إثبات هذا المعنى لها ، كما جنح إليه الشيخ ومن سبق النقل عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية