النوع التاسع عشر :  
الاستقصاء     :  
وهو أن يتناول المتكلم معنى فيستقصيه ، فيأتي عوارضه ولوازمه بعد أن يستقصي جميع أوصافه الذاتية بحيث لا يترك لمن يتناوله بعده فيه مقالا ؛ كقوله تعالى :  
أيود أحدكم أن تكون له جنة     [ البقرة : 266 ] الآية ، فإنه تعالى لو اقتصر على قوله ( جنة ) لكان كافيا ، فلم يقف عند ذلك حتى قال في تفسيرها : (  
من نخيل وأعناب     ) ، فإن مصاب صاحبها بها أعظم ، ثم زاد : (  
تجري من تحتها الأنهار     ) متمما لوصفها بذلك ، ثم كمل وصفها بعد التتميمين فقال : (  
له فيها من كل الثمرات     ) ، فأتى بكل ما يكون في الجنان ليشتد الأسف على إفسادها .  
ثم قال في وصف صاحبها : (  
وأصابه الكبر     ) ، ثم استقصى المعنى في ذلك بما يوجب تعظيم المصاب ، بقوله بعد وصفه بالكبر : (  
وله ذرية     ) ، ولم يقف عند ذلك حتى وصف الذرية ب ( ضعفاء ) .  
ثم ذكر استئصال الجنة التي ليس لهذا المصاب غيرها بالهلاك في أسرع وقت ، حيث قال : (  
فأصابها إعصار     ) ، ولم يقتصر على ذكره ، للعلم بأنه لا يحصل به سرعة الهلاك ، فقال : (  
فيه نار     ) ، ثم لم يقف عند ذلك حتى أخبر باحتراقها ، لاحتمال أن تكون النار ضعيفة لا تفي باحتراقها لما فيها من الأنهار ، ورطوبة الأشجار ، فاحترس عن هذا الاحتمال بقوله : (  
فاحترقت     ) ، فهذا أحسن استقصاء وقع في كلام وأتمه وأكمله .  
قال  
ابن أبي الإصبع     :  
والفرق بين الاستقصاء والتتميم والتكميل     : أن التتميم يرد على المعنى الناقص ليتمم ، والتكميل يرد على المعنى التام فيكمل أوصافه ، والاستقصاء يرد على المعنى التام الكامل فيستقصي لوازمه وعوارضه وأوصافه وأسبابه حتى يستوعب      
[ ص: 128 ] جميع ما تقع الخواطر عليه ، فلا يبقى لأحد فيه مساغ .