صفحة جزء
سورة هود .

بسم الله الرحمن الرحيم

إن جعلت ( هودا ) اسما للسورة لم تصرفه للتعريف والتأنيث ، ويجوز صرفه لسكون أوسطه عند قوم ، وعند آخرين لا يجوز صرفه بحال ; لأنه من تسمية المؤنث بالمذكر ، وإن جعلته للنبي عليه السلام صرفته .

قال تعالى : ( الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ( 1 ) ) .

قوله تعالى : ( كتاب ) : أي هذا كتاب ; ويجوز أن يكون خبر " الر " أي " الر " وأشباهها كتاب .

( ثم فصلت ) : الجمهور على الضم والتشديد .

ويقرأ بالفتح والتخفيف وتسمية الفاعل ; والمعنى : ثم فرقت ، كقوله : ( فلما فصل طالوت ) : [ البقرة : 249 ] أي فارق .

( من لدن ) : يجوز أن يكون صفة ; أي كائن من لدن ; ويجوز أن يكون مفعولا ، والعامل فيه فصلت .

وبنيت " لدن " وإن أضيفت ; لأن علة بنائها خروجها عن نظيرها ; لأن لدن بمعنى عند ، ولكن هي مخصوصة بملاصقة الشيء وشدة مقاربته ، و " عند " ليست كذلك ، بل هي للقريب وما بعد عنه ، وبمعنى الملك .

قال تعالى : ( ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير ( 2 ) ) .

قوله تعالى : ( أن لا تعبدوا ) : في " أن " ثلاثة أوجه : أحدها : هي مخففة من الثقيلة . [ ص: 23 ] والثاني : أنها الناصبة للفعل ; وعلى الوجهين موضعها رفع ، تقديره : هي أن لا تعبدوا ويجوز أن يكون التقدير : بأن لا تعبدوا ، فيكون موضعها جرا أو نصبا على ما حكينا من الخلاف . والوجه الثالث : أن تكون " أن " بمعنى أي ، فلا يكون لها موضع ، " ولا تعبدوا " نهي .

و ( منه ) : أي من الله ، والتقدير : نذير كائن منه ، فلما قدمه صار حالا .

ويجوز أن يتعلق بنذير ، ويكون التقدير : إنني لكم نذير من أجل عذابه .

قال تعالى : ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ( 3 ) ) .

قوله تعالى : ( وأن استغفروا ) : " أن " معطوفة على " أن " الأولى ، وهي مثلها فيما ذكر .

( وإن تولوا ) : أي يتولوا .

قال تعالى : ( ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور ( 5 ) ) .

قوله تعالى : ( يثنون ) : الجمهور على فتح الياء وضم النون ، وماضيه ثنى .

ويقرأ كذلك إلا أنه بضم الياء وماضيه أثنى ، ولا يعرف في اللغة إلا أن يقال : معناه عرضوها للإثناء ، كما تقول : أبعت الفرس إذا عرضته للبيع .

ويقرأ بالياء مفتوحة وسكون الثاء ونون مفتوحة وبعدها همزة مضمومة بعدها نون مفتوحة مشددة مثل يقرءون ; وهو من ثنيت ، إلا أنه قلب الياء واوا لانضمامها ، ثم همزها لانضمامها .

ويقرأ يثنوني مثل يعشوشب ، وهو يفعوعل ، من ثنيت ، والصدور فاعل .

ويقرأ كذلك إلا أنه بحذف الياء الأخيرة تخفيفا لطول الكلمة .

ويقرأ بفتح الياء والنون وهمزة مكسورة بعدها نون مرفوعة مشددة ، وأصل الكلمة يفعوعل من الثني ، إلا أنه أبدل الواو المكسورة همزة ، كما أبدلت في وسادة ، فقالوا إسادة ، وقيل : أصلها يفعال مثل يحمار ، فأبدلت الألف همزة ; كما قالوا : ابياض . [ ص: 24 ] ( ألا حين ) : العامل في الظرف محذوف ; أي ألا حين يستغشون ثيابهم يستخفون . ويجوز أن يكون ظرفا لـ " يعلم " .

التالي السابق


الخدمات العلمية