الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال تعالى : ( وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين ( 6 ) ) .

قوله تعالى : ( مستقرها ومستودعها ) : مكانان ; ويجوز أن يكونا مصدرين ; كما قال الشاعر :


ألم تعلم مسرحي القوافي

أي : تسريحي .

قال تعالى : ( ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون ( 8 ) ) .

قوله تعالى : ( ولئن ) : اللام لتوطئة القسم ، والقسم محذوف ; وجوابه " ليقولن " [ ومثله ] : ( ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور ( 9 ) ) وجواب القسم ( إنه ليئوس ) : وسد القسم وجوابه مسد جواب الشرط .

قوله تعالى : ( ألا يوم يأتيهم ) : يوم ظرف لـ " مصروفا " ; أي لا يصرف عنهم يوم يأتيهم وهذا يدل على جواز تقديم خبر ليس عليها . وقال بعضهم : العامل فيه محذوف دل عليه الكلام ; أي لا يصرف عنهم العذاب يوم يأتيهم ; واسم ليس مضمر فيها ; أي ليس العذاب مصروفا .

قال تعالى : ( ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور ( 10 ) ) .

قوله تعالى : ( لفرح ) : يقرأ بكسر الراء وضمها ، وهما لغتان ; مثل يقظ ويقظ ، وحذر وحذر .

قال تعالى : ( إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير ( 11 ) ) . قوله تعالى : ( إلا الذين صبروا ) : في موضع نصب ، وهو استثناء متصل ، والمستثنى منه الإنسان . [ ص: 25 ] وقيل : هو منفصل . وقيل : هو في موضع رفع على الابتداء ، و " أولئك لهم مغفرة " خبره .

قال تعالى : ( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل ( 12 ) ) .

قوله تعالى : ( وضائق به صدرك ) : صدرك مرفوع بضائق ; لأنه معتمد على المبتدأ . وقيل : هو مبتدأ ، وضائق خبر مقدم ، وجاء " ضائق " على فاعل من ضاق يضيق . ( أن يقولوا ) : أي مخافة أن يقولوا . وقيل : لأن يقولوا ; أي لأن قالوا فهو بمعنى الماضي .

قال تعالى : ( أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ( 16 ) ) .

قوله تعالى : ( وباطل ) : خبر مقدم ، و " ما كانوا " المبتدأ ، والعائد محذوف ; أي يعملونه . وقرئ باطلا بالنصب ، والعامل فيه " يعملون " ، وما زائدة .

قال تعالى : ( أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ( 17 ) ) .

قوله تعالى : ( أفمن كان ) : في موضع رفع بالابتداء ، والخبر محذوف تقديره : أفمن كان على هذه الأشياء كغيره .

( ويتلوه ) : في الهاء عدة أوجه .

أحدها : يرجع على " من " وهو النبي صلى الله عليه وسلم والتقدير : ويتلو محمدا ; أي صدق محمد . ( شاهد منه ) : أي لسانه . وقيل : الشاهد جبريل عليه السلام . والهاء في ( منه ) لله وفي " من قبله " للنبي .

و " كتاب موسى " : معطوف على الشاهد . وقيل : الشاهد الإنجيل ، والمعنى : أن التوراة والإنجيل يتلوان محمدا صلى الله عليه وسلم في التصديق ، وقد فصل بين حرف العطف والمعطوف بقوله : " من قبله " أي وكتاب موسى عليه السلام من قبله . والوجه الثاني : أن الهاء للقرآن ; أي ويتلو القرآن شاهد من محمد صلى الله عليه وسلم وهو لسانه . وقيل : جبريل عليه السلام . والثالث : أنها تعود على البيان الذي دلت عليه البينة . وقيل : تمام الكلام عند قوله " منه " ، " ومن قبله كتاب موسى " عليه السلام - ابتداء وخبر [ ص: 26 ] و ( إماما ورحمة ) : حالان .

وقرئ : " كتاب موسى " بالنصب ; أي ويتلو كتاب موسى .

( في مرية ) : يقرأ بالكسر والضم ، وهما لغتان .

التالي السابق


الخدمات العلمية