صفحة جزء
قال تعالى : ( أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضاعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون ( 20 ) ) .

قوله تعالى : ( يضاعف لهم ) : مستأنف .

( ما كانوا ) : في ( ما ) ثلاثة أوجه :

أحدها : هي بمعنى الذي ; والمعنى : يضاعف لهم بما كانوا ، فلما حذف الحرف نصب . والثاني : هي مصدرية والتقدير : مدة ما كانوا يستطيعون . والثالث : هي نافية ; أي من شدة بغضهم له لم يستطيعوا الإصغاء إليه .

قال تعالى : ( لا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون ( 22 ) ) .

قوله تعالى : ( لا جرم ) : فيه أربعة أقوال : أحدها : أن ( لا ) رد لكلام ماض ; أي ليس الأمر كما زعموا و ( جرم ) فعل وفاعله مضمر فيه .

و ( أنهم في الآخرة ) : في موضع نصب ، والتقدير : كسبهم قولهم خسرانهم في الآخرة . والقول الثاني : أن ( لا جرم ) كلمتان ركبتا وصارتا بمعنى حقا ، و " أنـ . . " في موضع رفع بأنه فاعل لحق ; أي حق خسرانهم . والثالث : أن المعنى لا محالة خسرانهم ; فيكون في موضع رفع أيضا . وقيل : في موضع نصب أو جر ; إذ التقدير : لا محالة في خسرانهم . والرابع : أن المعنى لا منع من أنهم خسروا ، فهو في الإعراب كالذي قبله .

قال تعالى : ( مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون ( 24 ) ) .

قوله تعالى : ( مثل الفريقين ) : مبتدأ ، والخبر " كالأعمى " والتقدير : كمثل الأعمى ; وأحد الفريقين الأعمى والأصم ، والآخر البصير والسميع .

( مثلا ) تمييز .

قال تعالى : ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين ( 25 ) ) [ ص: 27 ] قوله تعالى : ( إني لكم ) : يقرأ بكسر الهمزة ، على تقدير : فقال : إني . وبفتحها على تقدير : بأني ، وهو في موضع نصب ; أي أرسلناه بالإنذار ; أي منذرا .

قال تعالى : ( أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم ( 26 ) ) .

قوله تعالى : ( أن لا تعبدوا ) : هو مثل الذي في أول السورة .

قال تعالى : ( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين ( 27 ) ) .

قوله تعالى : ( ما نراك ) : يجوز أن يكون من رؤية العين وتكون الجملة بعده في موضع الحال ، و " قد " معه مرادة .

ويجوز أن يكون من رؤية القلب ; فتكون الجملة في موضع المفعول الثاني .

و " الأراذل " : جمع أرذال ، وأرذال : جمع رذل ، وقيل : الواحد أرذل ، والجمع أراذل ; وجمع على هذه الزنة وإن كان وصفا ; لأنه غلب فصار كالأسماء . ومعنى غلبته أنه لا يكاد يذكر الموصوف معه ، وهو مثل الأبطح و الأبرق .

( بادي الرأي ) : يقرأ بهمزة بعد الدال ، وهو من بدأ يبدأ ، إذا فعل الشيء أولا . ويقرأ بياء مفتوحة ، وفيه وجهان : أحدهما : أن الهمزة أبدلت ياء لانكسار ما قبلها . والثاني : أنه من بدا يبدو ، إذا ظهر .

وبادي هنا ظرف ، وجاء على فاعل ، كما جاء على فعيل ، نحو قريب وبعيد ، وهو مصدر مثل العافية والعاقبة ، وفي العامل فيه أربعة أوجه : أحدها : نراك ; أي فيما يظهر لنا من الرأي ، أو في أول رأينا .

فإن قيل : ما قبل " إلا " إذا تم لا يعمل فيما بعدها ، كقولك : ما أعطيت أحدا إلا زيدا دينارا ; لأن إلا تعدي الفعل ولا تعديه إلى واحد ، كالواو في باب المفعول معه قيل : جاز ذلك هنا ; لأن " بادي " ظرف ، أو كالظرف ; مثل جهد رأيي أنك ذاهب ; أي في جهد رأيي ، والظروف يتسع فيها . والوجه الثاني : أن العامل فيه ( اتبعك ) أي اتبعوك في أول الرأي ، أو فيما ظهر منه من غير أن يبحثوا . والوجه الثالث : أنه من تمام ( أراذلنا ) : أي الأراذل في رأينا . والرابع : أن العامل فيه محذوف ; أي يقول ذاك في بادي الرأي به .

و ( الرأي ) مهموز ، وغير مهموز .

التالي السابق


الخدمات العلمية