صفحة جزء
قال تعالى : ( يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد ( 105 ) ) .

قوله تعالى : ( يوم يأت ) : " يوم " ظرف ، والعامل فيه " تكلم " مقدرة ; والتقدير : لا تكلم نفس فيه .

[ ص: 42 ] ويجوز أن يكون العامل فيه " نفس " وهو أجود .

ويجوز أن يكون مفعولا لفعل محذوف ; أي اذكروا يوم يأتي ، ويكون " تكلم " صفة له . والعائد محذوف ; أي لا تكلم فيه ، أو لا تكلمه .

ويجوز أن يكون منصوبا على إضمار أعني .

وأما فاعل " يأتي " فضمير يرجع على قوله : ( يوم مجموع له الناس ) : ولا يرجع على " يوم " المضاف إلى يأتي ; لأن المضاف إليه كجزء من المضاف ; فلا يصح أن يكون الفاعل بعض الكلمة ; إذ ذلك يؤدي إلى إضافة الشيء إلى نفسه ; والجيد إثبات الياء ; إذ لا علة توجب حذفها ، وقد حذفها بعضهم اكتفاء بالكسرة عنها ، وشبه ذلك بالفواصل ; ونظير ذلك ( ما كنا نبغ ) [ الكهف : 64 ] - ( والليل إذا يسر ) [ الفجر : 4 ] .

( إلا بإذنه ) : قد ذكر نظيره في آية الكرسي .

قال تعالى : ( فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق ( 106 ) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد ( 107 ) وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ( 108 ) ) .

قوله تعالى : ( لهم فيها زفير ) : الجملة في موضع الحال ، والعامل فيها الاستقرار الذي في " ففي النار " أو نفس الظرف . ويجوز أن يكون حالا من النار .

( خالدين فيها ) : خالدين : حال ، والعامل فيها " لهم " أو ما يتعلق به .

( ما دامت ) : في موضع نصب ; أي مدة دوام السماوات . و " دام " هنا تامة .

( إلا ما شاء ) : في هذا الاستثناء قولان :

أحدهما : هو منقطع . والثاني : هو متصل .

ثم في " ما " وجهان ; أحدهما : هي بمعنى " من " والمعنى على هذا أن الأشقياء من الكفار والمؤمنين في النار ، والخارج منهم منها الموحدون .

وفي الآية الثانية يراد بالسعداء الموحدون ، ولكن يدخل منهم النار العصاة ، ثم يخرجون منها . فمقتضى أول الآية أن يكون كل الموحدين في الجنة من أول الأمر . ثم استثنى من هذا العموم العصاة ; فإنهم لا يدخلونها في أول الأمر . والوجه الثاني : أن " ما " على بابها ; والمعنى : أن الأشقياء يستحقون النار من حين قيامهم من قبورهم ، ولكنهم يؤخرون عن إدخالها مدة الموقف . والسعداء يستحقون الجنة ويؤخرون عنها مدة الموقف ، و ( خالدين ) على هذا حال مقدرة ; وفيها في الموضعين تكرير عند قوم ; إذ الكلام يستقل بدونها .

[ ص: 43 ] وقال قوم " فيها " يتعلق بخالدين ، وليست تكريرا وفي الأولى يتعلق بمحذوف . و ( عطاء ) : اسم مصدر ; أي إعطاء لذلك ; ويجوز أن يكون مفعولا ; لأن العطاء بمعنى المعطى .

( سعدوا ) : بفتح السين وهو الجيد ; وقرئ بضمها وهو ضعيف ، وقد ذكر فيها وجهان ; أحدهما : أنه على حذف الزيادة ; أي أسعدوا ، وأسسه قولهم : رجل مسعود .

والثاني : أنه مما لازمه ومتعديه بلفظ واحد ، مثل شحا فاه ، وشحا فوه ، وكذلك سعدوا وسعدته ، وهو غير معروف في اللغة ، ولا هو مقيس .

قال تعالى : ( فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ( 109 ) ) .

قوله تعالى : ( غير منقوص ) : حال ; أي وافيا .

التالي السابق


الخدمات العلمية